فيما التحقيقُ عن انفجار المرفَإِ يترنَّح بين البحث عن “الارتياب المشروع” والتنظير في الصلاحية بين المحقِّق العدلي ومجلس محاكمة الرؤَساء والوزراء،
وفيما كلُّ محامٍ مدافعٍ عن موكِّلِه صار زميلَ “دالُّوز” في تفسير القانون والدستور،
وفيما يتنطَّح كلُّ سَمَيْذَع في تلقين المحقق العدلي ماذا عليه أَن يفعل وكيف ومتى،
وفيما المعنيون “باضوا” نظرية جديدة شديدة سديدة أَنَّ المحقق العدلي غيرُ مستقر نفسيًّا، وأَنه يتأَثَّر بالحالة الشعبية،
وفيما يذهب أَصحاب نفوذ إِلى المطالبة لا بمثول المتَّهمين بل بكَفِّ يد القاضي عن هذا الملف وتعيين قاضٍ جديدٍ يكون ثالثًا بعد عزل اثنَين تكون أَطاحتْهما صلافةُ هذه الطبقة السياسية النَتِنَة لأَنهما تجرَّآ على اتهام أَساطين من “بيت بو سياسة” هُم كامرأَة القيصر فوق الشبهات،
وفيما – بعد أُسبوع – يكون مرَّ أَربعة عشر شهرًا على الانفجار وأَهالي الضحايا يحملون صُوَر ضحاياهم ويتنقَّلون بها من مكان إِلى آخر على الحدود الضيقة بين اليأْس والغضَب، والسُلطة تطاردهم كأَنهم خارجون عن العدالة،
فيما يجري كلُّ هذا على أَرض لبنان، صدرَت في فْرنسا طبعةٌ جديدةٌ من كتاب الجغرافيا لصف البكالوريا، فيها الصفحتان 110 و111 عن انفجار مرفإِ بيروت بنُصُوصٍ وصُوَرٍ وأَسئلة ليُجيبَ عنها التلامذة.
ماذا في هاتين الصفحتين؟
على الصفحة 110 عنوان الباب: “دراسة الحالة الميدانية رقم 4” حول “كشْف هوية خطر غير متوقَّع في مجتمعه”، وعنوان الصفحة: “انفجار مرفَإِ بيروت آب 2020″، وتحته عنوانٌ ثانوي: “بِـمَ هذه الكارثة تدُلُّ على هشاشة لبنان”؟ وفي الصفحة ثلاث وثائق: الأُولى صورتان للـمرفَإِ قبل الانفجار وبعده، الثانية عن سبعة انفجارات نيترات الأَمونيوم في العالم وقوَّتها وعدد ضحاياها، الثالثة نصٌّ من “منظمة الصحة العالمية” بعنوان: “نداء عاجل من أَجل لبنان”.
على الصفحة 111: ثلاث وثائق أُخرى” الأُولى: خارطة ملونة لبلدانٍ مدَّت لبنان بالمساعدات الإِنسانية، الثانية: نصٌّ بعنوان “الشارع اللبناني في حرب مع حكَّام لبنان وقادته”، الثالثة: نص بعنوان “مخاطر نيترات الأَمونيوم في فْرنسا وأُوروبا”، ثم 6 أَسئلة يجيب عنها التلامذة لها علاقة بما ورَدَ في الست الوثائق.
هكذا إِذًا: فيما لبنانُ بلدُ الانفجار ما زالت دولتُه تعلُك الوقت بإيقاع متمهِّل جلبَ علينا شماتة العالم، أَسرعت فرنسا إِلى إِدخال كارثة المرفإِ في كتاب البكالوريا كي يكون تلامذتُها مطلعين على أَحدثِ ما يجري في العالم.
وفيما الكتاب المدرسي الفرنسي يتابع الحدَث الآني والتطوُّرَ التكنولوجي وأَحدثَ إِنجازات القطاع التربوي كي يواكبَ تطورات العصر، سأَلتُ زميلًا لي مؤَلِّفًا مدرسيًّا عن آخر تعديل في المناهج التربوية فأَجابني بحُرقة وغصَّة: “آخر تعديل كان سنة 1997”.
نعم: 1997 يعني من 25 سنة. يعني من رُبع قرن. يعني أَن تلامذتنا يدرسون في كتُب عتيقة بالية صارت خارجَ العصر.
أَلا بئْس دولةٍ تتتالى فيها وزارات التربية منذ سنوات، ويعمل لها مركزٌ تربويٌّ للبحوث والإِنماء، وأَحدثُ تعديل في مناهجنا التربوية تـمَّ منذ… ربع قرن!
هـنـري زغـيـب