عاجل عاجل إِلى رفاق القلم
“أَزرار” – الحلقة 1192 – “النهار” – السبت 28 آب 2021

أَبحثُ عنكم فلا أَجدُكم. أَجدُ نصوصَكم ولا أَجدُكم. ماذا، رفاقَ القلم، وليس قلَمُكُم في خدمة لبنان تراثًا وحضارةً وإِبداعًا؟ أَين أَنتم؟ أُخاطب الكُتَّابَ والأُدباء بينكم والصحافيين الثقافيين؟ كُتَّابُ السياسة وصحافيوها جادُّون وناشطون يوميًّا. وأَنتم؟ رفاقَ الثقافة في الصحافة: أَين أَنتم؟ منشغلون بالكتابة عن الآخرين عند الآخرين؟ ملتزمون تجاه منابر وصحُف ومجلات ومواقع يَهمُّها قارئها العربي أَكثر من القارئ اللبناني واهتماماته؟ عال. واصلُوا كتاباتكم فيها عن الآخرين إِنما اخترقوها، ولو محليًّا، بكتابات محلية عن تراثنا اللبناني. ثم… في حيثما تكتبون، هل يمنعكم أَصحابُ الوسائط والوسائل أَن تكتبوا عن تراث لبنان فيما أَنتم تكتبون عن سواه؟

أَقرأُ لكم عن كتابٍ صدر هناك، أَو مسرحية ناجحة هنالك، أَو حدَثٍ جديد في عاصمة ما، أَو مُنتَجٍ ثقافي في بلادٍ ما، أَو عن بحث في الشعر العربي القديم، أَو في ظاهرة أَدبية من عصر منقرض،… فلماذا لا تكتبون، تَوَازيًا مع كل ذلك، عن نتاج لبنان الثقافيّ، وغناه لا تكفيه آلافُ الصفحات؟

قليلون من رفاق القلم يَهُمُّهُم لبنان وتراثُه ويكتبون عنه. أُحيِّيهم بانحناءَة الزمالة، يَحملون هذا التراث ويُؤَدُّونه ويُؤَدُّون له. والباقون؟ أَنتم، أَين أَنتم؟ لا مسرح اليوم في لبنان؟ مش ضروري. خُذُوا نصوصًا من مسرحيينا الكبار وعرِّفوا بها. لا معارض كبرى اليوم في لبنان؟ مش مهم. اكتبُوا عن تشكيليـينا المكرَّسين وعرِّفوا قرَّاءَكم بهم. لا أَعمال مسرحية أَو غنائية حاليًّا ذات مستوى؟ شو يعني؟ أُكتبوا عن مبدعي لبنان الموسيقيين. لا مؤَلفات مهمَّة تصدر في بيروت؟ بسيطة. إِفتحوا أَعمال أُدبائنا الكبار واكتُبوا قراءَتَكم إِياها. مبدعونا خالدون بإِبداعاتهم. ذَكِّروا بهم وقدِّموهم إِلى أَجيالنا الجديدة التي لم تعرفْهم بَعد.

دَورُكم أَن تنشروا ثقافة لبنان بقدْرما تكتبون عن ثقافات السوى. إِذا لم تَحملوا تراث لبنان في أَقلامكم فتراثُ السوى لن يحترمَكم بدون هوية. عرِّفوا قراءَ لبنان بتراثكم، ذكِّروا به جيلَنا ومَن بَعد جيلِنا، وقدِّموه إِلى قرَّائكم العرب فيَعرفوا أَن لبنان ليس هذا المسخ السياسي الراهن بل الحقيقيُّ الدائمُ الخالدُ هو لبنانُ الفكر والتراث والحضارة والإِبداع اللبناني ودوره الرائد في النهضة العربية.

أَين أَنتم من كلِّ هذا؟ لماذا تَهَجَّرتُم عن وجهكم وأَصالتكم؟ أرضُوا أَصحاب المواقع والمنابر حيث أَنتم ولكنْ لا تظلُّوا خارج صوتكم وجذوركم وتراثكم. فَهِمْنا أَن سياسيينا في معظمهم أُمِّيُّون في لبنان الإِبداع والفكْر والتراث، فاخلَعُوا عنكم انشغالَكم بهم وانتظارَكُم حلُولَهم العقيمة المأْجورة، وارتَدُوا صَوتكم. كونوا رُسُل الحضارة واكتُبُوا إِشراقات لبنان في كل جيل وكل عصر. عظَمةُ لبنانَ الباقيةُ خالدةً ليست في زعماء سياسته ولا في رجال حُكْمه بل في رجالاته المبدعين آدابًا وفنونًا وريادةً في كل حقل وإِقليم ومدى.

أَبحثُ عنكم فلا أَجدُكم. أَجدُ نصوصَكم ولا أَجدُكم. فتعالَوا إِلى لبنان وأَنتم منه وفيه. لبنانُ اليوم يحتاج أَقلامَكم تُنير الـمَنْسيَّ فيه من أَعمال مُشَرِّفة ومبدعين مَنْسيِّين، فيعتزُّ بها وبهم مَن يعرفونَها ويعرفونَهم ويَفْخَر بها وبهم من سيتعرَّفون إِليها وإِليهم من الجيل اللبناني الجديد، ويَحترمكم قرَّاؤُكم العرب في كلّ مكانٍ على أَنكم أَصيلو كَرَم وكَرَامة، تحمِلون في أَقلامكم إِرثَ لبنان الإِبداع.

تراثَكم تراثَكم تراثَكم ثم تراثَ السوى.

لا تجعلوا اشتعالَ حياتنا السياسية يُطفئُ شُعلةَ حياتنا الثقافية وإِرثنا الثقافي.

وما سوى هكذا تستاهلون الشرفَ الأَعلى: أَن تَـخُطُّوا سُطُورَ وفاءٍ في كتاب لبنان، فتستحقُّوا لبنان.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib