أَلْحقوا الذُلَّ بنا فبات الذُلُّ يلاحقهم
“أَزرار” – الحلقة 1186 – “النهار” – السبت 17 تموز 2021

          تابعتُ هذا الأُسبوع عصْف الغضب من أَهالي ضحايا كارثة المرفإِ المشؤُومة اللعينة، وكيف واجهوا عصْف الانفجار بملاحقة مسؤُولين حتى بيوتهم، صابّين عليهم أَقذَع ما يمكن من نعوتٍ وشتْمٍ وازدراء، بعدما تعثَّرت عملية رفع الحصانة عن المدَّعى عليهم.

          لا أُناقش زواريب التهرُّب من رفع الحصانة في جلسة نيابية ستتناسل بعدها شبيهاتٌ أُخرى بزواريب أُخرى لأَن قاضي التحقيق “جَرُؤَ” على الـمسّ بمَن كانوا “قياصرة” البلاد، و”القياصرة”، عُرفًا، فوق الشبهات (؟!).

          ما يهمُّني هنا هو الاختفاء. اختفاءُ أُولئك الذين كانوا – وكم كانوا – يتبَخترون بين المواطنين، يتَطاوسُون عليهم، يتنقَّلون إِليهم “مدجَّجين” بجحافل أَزلامهم ومحاسيبهم الأَغنام وسياراتهم الداكنة الزجاج وقلَّة أَخلاق مرافقيهم بتحقير الناس على الطرقات.

          أَين هُم اليوم؟ لماذا اختفوا في جُحورهم وأَوكارهم وأَوجارهم فما عادوا يَظهرون ولا يتَبخترون ولا يتَطاوسُون ولا يتَنقَّلون “مدجَّجين” بأَزلامهم ومرافقيهم داخل سياراتهم الداكنة الزجاج؟

          لماذا لم يعودوا يَظهرون إِلَّا محصَّنين بدروع بشرية لـيحضروا جلسة في الأُونسكو ثم يؤُوبون بعدها إِلى جُحورهم وأَوكارهم وأَوجارهم؟

          ولماذا هجَر بعضُهم مكان سكَنه خوفًا من مواجهة الثوَّار وأَهالي الضحايا البركانيِّي الغضب؟

          لماذا؟ لأَنهم أَلْحقوا الذُلَّ بالمواطنين وها هو الذلُّ بات رعبًا كابوسيًّا يلاحقهم فما عادوا يجرُؤْون على الظهور كي لا يرشقهم المواطنون قَولًا ونظْرةً وشماتةً وإِذلالًا بما يستحقُّون من غضبٍ ولعنةٍ وحقْدٍ وشماتة.

          انحجَروا خوف يَسقطون تحت دوس المواطنين وحقْدهم وخَيبتهم ومواجهتهم بأَقسى ما ينقلب ناخب على مرشَّح (قريبًا) أَو نائب حاليّ أَو وزير سابق أَو وزير عقيم مُصَرِّف أَعمال أَو سياسي طامح للترشُّح وادعاء “العمل من أَجل الشعب” و”ازدهار لبنان الحبيب”.

          انتهى ما كان كما كان. لم يعُد أَحد يصدِّق وُعُودهم القميئة الكذَّابة ولا تصاريحهم الكذَّابة ولا نيَّاتهم الكذَّابة ولا أَصواتهم الكذَّابة ولا وجوهَهم القبيحة الكذَّابة.

          انتهى ما كان، ولن يعود. صاروا كذَّابين مراوغين يَشحَذُون أَصوات الناس، والناسُ لم تعُدْ لهم أَصوات بل صرخات غضب جبَّار.

          جميع الناس؟ طبعًا لا. تبقى بينهم أَقليةُ مستفيدين منتفعين ماسحي جوخ مُرائين دجَّالين أَزلام محاسيب مرافقين أَغناميين قطعانيين مُعيِّشين مُعتاشين تهييصيين، وهؤُلاء، مهما كثُروا وتناسلوا، باتوا أَقليةً أَمام أَكثرية لبنانيين ذاقوا الجوع والخوف والحرمان والذُلّ والآلام من كل نوع، فلن ينلَدِغُوا من جُحر الأَفاعي مرة أُخرى.

         وأَكثر: يخيَّل لي أَنْ قد يلتقي واحدٌ من هؤُلاء سيدةً عجوزًا ما إِن يتقدَّم منها حتى تَلْعَنَه بعبارة مُرَوَّسة: “أَنتَ؟ أَلا تستحي أَنكَ نائب أَو وزير أَو سياسيّ بعد كل ما جرى بسببكم يا الأَفاعي أَولاد الأَفاعي؟ أُغْرُبْ عن وجهي يا حقير قبل أَن أَخلَع ما أَضربكَ به”.

         إِلى هذا الحد؟ نعم إِلى هذا الحد. وأَكثر: من خسِر ابنًا أَو ابنةً أَو أَبًا أَو أُمًّا أَو قريبًا أَو حبيبًا، ومَن وقَف ذليلًا عند نافذة صيدلية أَو شبَّاك مصرف أَو محطة بنزين، ومَن افتقد دواءً ضروريًّا أَو رغيف خبز أَو قدرة على تأْمين عشاء لأُسرته، لا يحتمل بعد اليوم أَن يرى سحنة هؤُلاء الذين دمَّروا البلاد باستسلامهم واستزلامهم وسُوء سياستهم وجهْل إِدارتهم وعقْم تدابيرهم وضلُوعهم في تَواطؤ داخلي أَو خارجي أَو “تحالُفي”.

       يحتقرهم شعبُ لبنان، ولن يرحمهم أَبدًا بعد اليوم.

       هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib