موجِعٌ مقالُ الزميل سمير عطالله هذا الأُسبوع (“نهار”الأَربعاء 30 حزيران). موجِعٌ كثيرًا. لا بما جاء فيه بل بما لم يأْتِ بعد. وسوف يأْتي، إِن لم يكُن بقلمه الحادّ فبأَقلامٍ تُخاصره يوجِعُ أَصحابَها هذا العهرُ الجاري طاعنًا قلوبَ اللبنانيين على أَرضهم وحيثما هُم في العالم.
كَتَبَ من دُبَي، سمير. دُبَي التي “رزَقَها الله محمد بن راشد”، حاكمًا رأْسُ اهتماماته شعبُه في دولة حضارية عصرية طليعية استحدثَت سنة 2016 “وزارة السعادة” لـــ”مواءَمة خطط دولة الإِمارات العربية المتحدة وبرامجها وسياساتها لتحقيق سعادة المجتمع”.
وبلغ الوجعُ بالصديق سمير أَن استأْذن صَدْحَةَ فيروز “أَنا من لبنان” ليُجيبَها “سامحيني أَيتها الأَيقونة المستحية، لا عاد صوتُكِ وطني، ولا هذا هو الوطن الذي غنَّيتِ له”. معه حق، سمير. إِنما، تصويبًا، ما يعنيه سمير هنا ليس لبنان الوطن (وأَنا أَعرف جدًّا تعلُّقَه، كما تعلُّقَنا جميعًا، بــ”وطن” عاصي ومنصور وفيروز وسعيد عقل والأَخطل الصغير)، بل هو يعني لبنانًا آخَرَ أَوصلَتْه سْلطتُهُ المسْخ إِلى أَن تُمسي دولته مسْخًا تأْنف منها حتى المسوخ التي لم تَرَ في تاريخ التوتاليتاريا مسؤُولين بهذا الصلَف الفاقع.
أَعود هنا، تصويبًا وتذكيرًا، إِلى ما كرَّرتُه في هذه الــ”أَزرار” عن التقسيم الثلاثي الفاصل بين: الوطن (الإِرث، الحضارة، التراث، التاريخ، الإِبداع) والدولة (جهاز متكامل بين إِدارات رسمية ومؤَسسات عامة لتخدُم الوطن) والسُلطة (سياسيون مُكَلَّفُون، من الشعب ومن مال الشَعب، أَن يخدموا بإِخلاصٍ وضميرٍ أَجهزةَ الدولة إِداراتٍ ومؤَسساتٍ لتكون في خدمة الشعب).
لا نَـخْلطَنَّ إِذن بين لبنان الوطن ولبنان الدولة ولبنان السُلطة.
حين صرخ جبران: “لكُم لبنانُكم ولي لبناني” كان يستقيل من لبنان الدولة وسُلطتها لا من لبنان الوطن.
وحين دعا أُسقف روما فرنسيس الأَول إِلى “يوم التأَمُّل والصلاة من أَجل لبنان” استعمل عبارة: “وطن الأَرز” بما يعني له الأَرز، ولجميع مُتَنوِّري الدنيا، مجدَ لبنان الوطن (مجدَّدًا: أَي الإِرث، الحضارة، التراث، التاريخ، الإِبداع). وما دعا إِليه أَول من أَمس (الخميس): يومُ تفكيرٍ وتأَمُّلٍ في هذا الـ”لبنان الوطن”، وصلاةٍ من أَجل هذا الـ”لبنان الوطن” بما يعني من قيَم روحية سماوية تنهلُّ عليه من “رب العالمين الإِله الواحد الضابط الكل خالقِ السماء والأَرض”. وليس في باله أَيُّ تفكير ولا أَيُّ صلاة لعشائر سياسيين في السُلطة يتحكَّمون بدولته حتى سقوطها، وبشعبه حتى تجويعه وإِذلاله وتهجيره. هؤُلاء سياسيون صغار تركَهم البابا لعهْدة سياسيين كبار في ماتيرا (جنوبي إِيطاليا: وزراء الخارجية الأَميركي والفرنسي السعودي) يتدبرون أَمر أَفشلِ وأَسوإِ طقْم سياسي ساسَ دولةً في عَقدَي هذا القرن.
أَعرف أَن هؤُلاء لا يؤَثِّر فيهم الكلام، مكتوبًا بأَقلام متنوِّرين أَو ملفوظًا بأَصوات غاضبين. فجُلودهم، كعقولهم، كضمائرهم، تَـمْسَحَها العُهر السياسي. وقد يتحاقَر أَحدُهم فيَقْعَنْسِس: “هذا حكي شِعر”، وهو، هذا المسخ، لا يستحقُّ أَن يكون غَبْرَةً على قميص شاعر.
غير أَنهم مهما طَغَوا وبَغَوا ولَغَوا، فطُغيانهم زَبَد وَسِخ، وبَغْيُهم نُتْنٌ مُقرِف، ولَغْوُهم وَحْل زائل، وما يهتمُّ له بابا روما ووزراء خارجية دول كبرى لن يُبقيهم على التعامي والتغاضي والاستكبار والاستعلاء. وسَوف يجيْءُ يومٌ، لم يَعُد بعيدًا، يُطيحُهم جميعَهم إِلى أَوجار مسمومة تَنغَلِق عليهم لينفتحَ في لبنان الوطن عهدٌ جديدٌ لدولةٍ جديدة يَسُوسُها جيلٌ جديدٌ طالعٌ بهيًّا نقيًّا من… زمَن الغضب والتغيُّر.
هـنـري زغـيـب