تسعون جبران
“أَزرار” – الحلقة 1174 – “النهار” – السبت 10 نيسان 2021

اليوم 10 نيسان: ذكرى جبران.

في مثل هذه الليلة، عند الحادية عشْرةَ إِلَّا 10 دقائق قبل 90 سنة (1931)، انطفأَت آخرُ نقطة في عينينِ أَغمضَهما على غصَّةِ أَن لم يُغمضْهُما في لبنان.

في 6 كانون الثاني 1908 كتب من پاريس: “في مثل هذا اليوم وَلَدَتْني أُمي، قبل خمس وعشرين سنةً، ووضعَـتْني السكينةُ بين أَيدي هذا الوجود المملُوء بالصراخ والنزاع والعراك”.

واليوم نكتب من بيروت: “في مثل هذا اليوم غاب الذي مات يومًا وما زال يولد كلَّ يوم: في بلادٍ جديدة، في طبعةٍ جديدة، في ترجمةٍ جديدة، كأَنه مات ذاك اليوم كي يظل حيًّا كلَّ يوم”.

“الخالدون” يسمِّي الفرنسيون أَعضاء أَكاديمياهُم؟ ها هو خالدٌ وحده بعدما صاغ “الرابطة القلمية” قبل 100 سنة “أَكاديمياهُ” كما كانت تسمِّيها صديقتُه الشاعرة الأَميركية باربره يونغ.

 وعلى ذكْر يونغ: ظلَّت بيوغرافيا ميخائيل نعيمه (1934) أَقربَ مرجع إِلى سيرة جبران، حتى كشفَت الباحثة اللبنانية الأَصل ڤرجينيا حلو رسائلَ جبران وماري هاسكل (325 منه إِليها، و290 منها إِليه) لدى مكتبة جامعة نورث كارولاينا (1972) فقرَّبَت جبران إِلى قرَّائه أَكثر. ثم وضع ابنُ ابنِ عمِّه النحَّاتُ خليل جبران وزوجتُه جين كتابهما البيوغرافي وقائعَ وأَرقامًا وتواريخ: “حياة جبران وعالَمه” (1974) فقرَّبه أَكثر من محبيه.

لكنَّ حياةَ جبران الحميمة لا تَسطَع كما في كتاب الشاعرة باربره يونغ “هذا الرجل من لبنان” بتفاصيلَ جديدة عن أَهوائه وطبعه، عن لحظات استرخائه، عن حالته في لحظات التأْليف، كما عايشتْه باربره آخر سبع سنواتٍ معه في محترفه النيويوركي (“الصومعة”): ائْتَمَنَها على خوالجه الجوَّانية، أَملى عليها كتاباتِه وكتُبَه (“يسوع ابن الإِنسان”، “رمْل وزبَد”، “التائه”، “حديقة النبي”، …) وهي تُدوِّنُها وتطبعُها على آلتها الكاتبة (أَمرٌ نادرٌ فترتَئِذٍ) وتعيدُها إِليه مرَتَّبَةً ليَقرأَها مرةً أَخيرةً قبل يُرسِلُها نهائيةً إِلى ناشره الأَميركي كْنُوپْفْ. وكما صباح اليوم (10 نيسان) هي التي حمَلَتْه إِلى مستشفى سانت ڤنْسِنْتْ على بُعْد شارعَين، وظلَّت إِلى سريره حتى أَسلَمَ الحياةَ نفَسَه الأَخير في مثل هذه الليلة قبل 90 سنة. وبعد وفاته، أَصبحت بطَلَب شقيقته مريانا قيِّمةً على موجودات محترفه، وجالت برسومه ونصوصه في أُمسيات وندوات أَميركية وأُوروپية، ثم حجَّت إِلى لبنانه الحبيب (بيروت، بْشَرِّي) وصاغَت بأُسلوبٍ شاعريٍّ أَخَّاذٍ كتابَها الشهير “هذا الرَجُل من لبنان” بطقوسية هاجيوغرافيَّة تقديسيَّة تعادلُ حبَّه وطَنَه.

واحترامًا احترامَها ذاك، أَبقيتُ على عنوانها ذاتِه لكتابي الجديد “هذا الرجل من لبنان” (منشورات “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأَميركيةLAU ): ثُلثُهُ ترجمةُ كتابها حرفيًّا، وثُلْثاه جبرانياتٌ جديدَة نصوصًا وصُوَرًا ووثائق.

وإِذ يغبِطني أَن يَصدر كتابي عن جبران في “تسعين جبران” (1931-2021) أَغتَبِطُ أَنني قدَّمْتُه له اليوم في ذكراه، مرفوعًا إِلى “داناي” التي أَوحَتْ لي به، وإِليه وهو راتعٌ في خُلُوده بنعمة الأَبد.

هـنـري  زغـيـب  

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib