ما الذي يَبقى كي يهُبَّ الإِعصار؟
ما الذي يَبقى، بعدما حدث الانهيار في كل قطاع، سوى أَن يهُبَّ الإِعصار ويقتلعَ مَن تسبَّبوا بالانهيار؟
ما الذي يَبقى، غير وجوه مالحة كالحة قميئة دنيئة تطالعنا بتصاريح وبيانات على شاكلة أَصحابها من الكذب والتضليل؟
ما الذي يَبقى، ومعظَمُ الشعب اللبناني المقهور زَحَلَ إِلى الشوارع احتجاجًا وصراخًا وغضبًا على نيرونيين يشعلون سيجارهم من نار الشوارع وَسَاديًّا يبتسمون؟
ما الذي يَبقى؟ يعني؟ لم يَبْقَ أَمل؟ بلى، يبقى. يبقى بعدُ الكثير.
يبقى حضورُكم أَنتم، يا المعلَّقون من حُلُوقكم ونُحوركم ورقابكم بين الخوف والموت.
يبقى أَن تخلعوهم من نفوسكم فتنبِذُوهم قبل أَن تخلعوهم عن كراسيهم وقد لا تُفلحون.
يبقى أَن تُخزِّنوا بعد، أَكثرَ بعد، شُحناتٍ متفجرةً من النقمة عليهم والقرف منهم والابتعاد عنهم وإِلغاء الثقة بهم.
يبقى أَن تُعَــبِّـئُـوا قلوبَكم رفضًا إِياهم ونشدانًا بدائلَ عنهم لأَنهم سقَطوا في القيادة والسلطة والحُكْم.
يبقى أَن تحافظوا على التَهَـيُّـؤ. سنوات العُهر السياسي لا يُلغيها إِحراقُ الدواليب ولا قطْعُ الطرقات ولا الكرنـڤـالاتُ الغنائية ولا الـهَوْبراتُ الزجلية ولا إِحراقُ صُوَرهم ولا الشتائم المقذِعة في الشوارع والساحات. ماذا ينفع الضَرب على قُبَب السلاحف؟
يبقى أَن تَتَنَظَّموا في سياقات تواكب صبركم وتحضيركم، وتُنَظِّموا خطواتكم في ثقة حكيمة ورويَّة هادئة وتَبَصُّر ناضج حتى تكونوا جاهزين للتغيير يوم يَهُبُّ الإِعصار.
الثورة الفرنسية لم تنفجر فجأَةً يوم 14 تموز 1789 بل هَيَّأَ لها الكُتَّاب والمفكِّرون والفلاسفة، وظلُّوا يشْحَنون شعبهم بالغضب حتى خلْع بوابة الباستيل. ومع ذلك، انتظرت فرنسا سنواتٍ مالحةً قبل أَن تستقيمَ فيها الجمهورية وتأْخذَ بالتجدُّد حتى الخامسة.
هكذا أَنتم: لا تفقدوا الأَمل ولا الصبر. الطريق طويل والتغيير بديل، فانشَحِنُوا بعدُ بالغضب. “لا تسكتوا”، قال لكم بطريرك المشرق، فلا تسكتوا ولا تستريحوا، وعــبِّـــئُـوا نفوسكم وقلوبكم وأَعصابكم نقمةً شمشونيةً هي التي يومَ الإِعصار ستجرف الزبَد والزبَديين والـمُزبِدين. يومها لا ترحموا منهم أَحدًا، وانهالُوا عليهم بكُل قَسْوتكم. وها هم أَخذوا منذ الآن يخافونكم فلا يخرجون من أَوكارهم وأَوجارهم وجحورهم ولا حتى ليتلقَّوا اللقاح في مراكز التلقيح.
ماذا يبقى بعد؟ يبقى أَن ترفضوا أَيَّ وعدٍ منهم لأَنهم كذَّابون، فكونوا على موعد مع رعد النقمة يتجمَّع بَرقُهُ في نواياكم حتى ينفجر لن يعرفوا كيف، ولا من أَين، ولا متى سينقضُّ عليهم في بقعة حارقة يمتدُّ لهيبها على مساحة الوطن.
يبقى أَن تحافظوا على أَعصابكم كي تُحسنوا التصويب حين تدقُّ الساعة، ولم تَعُد بعيدة، فتفاجئُوهم ولن يجدوا طريقًا للهرب منكم ومن لعنتكم المشحونة بنيران الغضب. يومها، حتى الأَغناميون الما زالوا حتى اليوم محاسيبَ وأَزلامًا وأَبواقًا، سترونهم معكم مُنهالين حتى على مَن كانوا حــتَّــئِــذٍ مؤْمنين بهم. فالإِعصار لن يرحم أَسيادَهم.
آتٍ هو الإِعصار. آتٍ كثيرًا. آتٍ وفيرًا. آتٍ غزيرًا. آتٍ كبيرًا. آتٍ خطيرًا… تهيَّأُوا.
هـنـري زغـيـب