“نهار” الأَحد وانتظارهُ موعدًا
“أَزرار” – الحلقة 1167
– “النهار” – السبت 13 شباط 2021

          بي حنينٌ زنبقيٌّ إِلى تلك “الآحاد”، ذاتَ كنا ننتظر “نهار” الأَحد حافلًا بالغنى حاملًا ثلاثةَ ملاحقَ نابضة: الأَدبي (بإِدارة أُنسي الحاج)، “الرياضة والتسلية” (بإِدارة شوقي أَبي شقرا)، والاقتصادي (بإِدارة إِدمون صعب)، ولم تكن تُلغي صفحة ثقافية يومية جعلها شوقي أَبي شقرا، برهافته الشاعرة، أَهمَّ منبر ثقافي يوميّ في العالم العربي. وإِذ لم يكن مُتاحًا للجريدة الصدورُ سبعة أَيام، اشترت “النهار” امتياز “الاتحاد اللبناني” لتُصدِر “نهار الأَحد”.

          هكذا كانت “النهار” تُمايز الأَحد عن سائر أَيام الأُسبوع، فتكسر رتابتَها وأُفقيَّتها المسطحة، وتجعل نهار العطلة راحة ذهنية وفكرية وعقلية وثقافية معًا، كما الصحف في العالم العربي تجعل عدد الجمعة يميِّز نهار العطلة.

          إِبَّان إِقامتي ست سنوات في نيويورك (1988-1994) كنت أُدمن على “نيويورك تايمز” الأَحد، لأَن فيها سبعة ملاحق دسمة في كل حقل واختصاص، حتى كان وزنها يبلغ نحو كيلوغرام وأَكثر، ما دفعني إِلى كتابتي عنها مقالي الأُسبوعي لـ”النهار العربي والدولي” بعنوان “سيكسويل الأَحد” لِما كان في العدد من غنى ثقافي وفني وترفيهي وتسلوي.

          اليوم، مع انحسار الصحافة الورقية، يوميِّها والأُسبوعيِّ، تَنامت صحافة إِلكترونية أَطاحت محطات المواعيد واحتلَّت لحظوية تتسابق والبرق في نشر الخبر أَو المقالة أَو المادة، فلم تُسطِّح أَيام الأُسبوع وحسب إِنما سطَّحت ساعات اليوم، بل دقائقَه، بنشْر المادة، موجَزِها ومُفَصَّلِها، “تُبرِقُها” لحظةَ صُدورها إِلى شاشتنا الثابتة أَو لوحنا الذكي أَو هاتفنا المحمول في قبضة يدنا.

          ما عاد ليوم العطلة مذاقٌ بعدما هذا الحجْر جعل أَيامَ الأُسبوع متشابهةَ الضجر، والأَسابيعَ والأَشهُر متوازيةَ الملل، ونبتَت منصاتُ التواصلِ الإِلكترونيةُ كالفطر في كل فصل وفاصلة ومفصل تتسابق هرولةً في نشر النافع والتافه، المخترِق والمختلَق، ما زاد في تلاطم الأَحداث في فوضى روتينية لا يضبطها وازع ولا عاقل.

          يزيد من هذا التسطيح تسابُقُ “التلافيز” على نشر تفاهات السَهَر العديمة، وقذْف التصاريح السياسية العقيمة، وبثّ برامج ترفيهية عميمة، خالية من أَيِّ نفْع وذوق، وخصوصًا من أَيِّ ثقافة أَو تثقيف. وإِذا كانت حجتها أَن البرامج الثقافية لا تستهوي الإِعلانات، فهي في أَيام هذا الحجْر لا إِعلانات لديها، والأَحرى أَن تستخدم “زمَن اللاإِعلانات” لتبرمج حلقاتٍ من الثقافة المدنية والوطنية في أُسلوب سائغ سلس بعيدٍ عن التنظير والأَسْتَذَة، فتخدم مشاهديها فيما هي تؤَدي رسالة إِعلامية سامية.

          ومتى تم ذلك، صحافةً وإِعلامًا، لا تعود الأَيام متشابهةً كورق الشجر، بل يكون لنا موعدٌ مع الأَحد، يومَ عطلةٍ مميَّزًا من الرتابة اليومية الرمادية، وتكون لنا منصة أُسبوعية ننهل منها ثقافةً ومعرفةً واطِّلاعًا ومراجعات كتب عربية وأَجنبية في إِصدار خاص بالأَحد، ورقيٍّ أَو إِلكْترونيّ، يُخرجنا من دوامة ساعات يومية سُلحفاتية لولبية دائرية متتالية متتابعة متشابهة رتيبة، فنعرف أَنَّ لنا محطة أُسبوعية تُبعِدُنا عن زمن سياسي وقح يجعل أَيامَنا تافهة مثلَه، وما نحن هكذا، ونرفض وسنرفض دومًا أَن نكون.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib