“نقطة على الحرف”- الحلقة 1500
1500 قبلَة على جبين لبنان
“صوت كلّ لبنان” – الأَحد 24 كانون الثاني 2021

          إِنها الحلقةُ الخمسمئة بعد الأَلف.

          هاني كنتُ 1500 مرة على موعد معكم، ومع لبنان.

          1500 موعد، وأَنا أَحُكُّ قلمي على جذْع مبارك من سنديانة لبنان.

          1500 قبلة على جبين لبنان. ولِـمْ على جبينه؟ لأَنه الأَعلى في الهالة الأَسمى، ولأَنَّ عليَّ الارتفاعَ كي أَستحقَّ عُلَى لبنان.

          منذ الحلقة الأُولى من هذا البرنامج، منذ صباح 16 شباط 2004، نذرتُ قلمي أَن يكون خادمًا من أَجل بلادي. ولم أَتخلَّفْ عن الموعد صباحًا واحدًا منذ 16 سنة. فليس مَن يتخلَّف عن موعد الحب، وفي لقائي مع وطني دائمًا لهفةُ من يأْتي إِلى موعدِ  حب.

          وفي هذا الموعد، كما اعتدتُهُ دائمًا، قَسَمٌ متواصل على الوفاء والولاء، على النعمة والشرف: الوفاء لوطني الذي لي نعمةُ أَن أَعيش فيه، والولاء لوطني الذي لي شرَفُ أَن أَعيش له، فأَفي نذْرَ أَن أَكتُب ما سوى للبنان اللبناني.

          وإِذ أَقول لبنان، أَقول لبنان الوطن لا الدولة. وحين كنتُ أَقسو، وسوف أَظلُّ أَقسو، فعلى الدولة لا على الوطن. لبنان الوطن لا يُـمَسُّ، لا يُطالُ، لا يؤْذى. الوطن هو الإِرثُ الحضاريُّ ونحن مؤْتَـمَنون عليه، والوطن هو وديعةُ التاريخ ونحن حرَّاسُها. الدولة خادمةُ الوطن، موجودةٌ لخدمة الوطن وأَبناء الوطن، وإِذا قصَّرَتْ تُلام، تُحاسَب، تُعاقَب، كأَيِّ خادمةٍ تُقصِّر في خدمة أَسيادها. والوطنُ سيِّدُ الدولة، وعليها أَن تتفانى من أَجله ليَبقى، ويتواصلَ إِرثُه على الأَجيال.

          لهذا اللُبنان نذرتُ قلمي، منذ فجر قسَمي، للبنان اللبناني. وسأبقى ناذرَه لكل حبة من ترابه حتى يضمَّني ترابه الأَقدس.

            ولهذا النذْر أَقسمتُ أَلَّا أَنفصلَ عن وطني وشعبي ومجتمعي، فكانت الـ”نقطة على الحرف”، طيلةَ 1500 صباح، سُوطًا على مثالب الدولة التي حُكَّامُها أَوصلوا شعبَنا إِلى الفاجعة التي دحرَجوه إِليها. لذا قسَوتُ عليها وغضِبْتُ ولعنْتُ، واللعنةُ مشروعةٌ حين تَقصيرُ الدولة في حجم الخيانة العظمى. وقيادةُ الدولة التي أَوصلَت وطننا إِلى ما هو فيه، ليست أَقلَّ من خيانة عظمى. ولا أَفظعَ من أَن يتولى وطنَ التاريخ والحضارة سياسيون أُمِّيُّو تاريخ وحضارة راحوا يهشِّمون وجهَه، جيلًا بعد جيل، عهدًا بعد عهد، حُكْمًا بعد حُكْم، حتى بات وجهُ لبنان اليوم مدمًّى يُثير شفَقة العالم، واللبنانيون شحَّادين على أَرصفة الأُمم، وما هذا شعب لبنان، ما كان هكذا ولن يكون.

          وطني هو الدورُ والريادةُ والرسالة. لا يقاسُ بضآلة مساحته ولا بعدَد سكانه، بل بإِبداع لبنانيين ساطعين على أَرضه وفي العالم، جعَلوا له ويجعَلون “عصر الأَنوار اللبناني”، وسيجعلونَه وطنًا مشرقًا على العالم بما يشَرِّف العلوم والفنون في أَكبر الأَوطان قديمًا ومستقبلًا، هم الذين أَسسوا وسوف يُكملون حضورَ لبنان العالميَّ من هذه البقعة الأُعجوبية على خصر المتوسط.

هي ذي رسالتي، منذ 1500 موعد صباحي مع لبنان، منذ 16 سنة في هذا البرنامج. وستبقى هذه رسالتي طالما في قلبي وفي قلمي يَنبض لبنان اللبناني.

للُبنانَ الوطن نذَرتُ كلمتي، وسوف يبقى هذا نذْريَ الأَعمقَ حتى تنطفئَ الشعلةُ الأَخيرةُ في قلبي وفي قلمي وأَنا نَقيُّ النذْر والضمير أَنني أَستحقُّ لبنان.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib