عشيةَ الفصح الشرقيّ، ومع دُنُوّ رمضان المبارك شهرِ الصلاة والزَكَاة، تحضُرني عبارةٌ كتبَها البابا فرنسيس في كتابٍ له جديدٍ صدر قبل أَيام عنوانه “الأَطفالُ هُمُ الرَجاء” يضمُّ مجموعةَ رسومٍ للأَطفال، وأَقوالًا لبابا روما يوجِّهها إِلى الصغار.
العبارةُ هي: “شارِكُوا الآخَرين ما لديكُم من خُبْز وخَير”.
رائعٌ عطرُ هذا الحنان يضوعُ من رسالته، هذا البابا الاستثنائيّ التواضع، على خطى المعلِّم الذي قال: “دَعُوا الأَولادَ يأْتُون إِليَّ ولا تَمنعوهم، لأَنَّ لمثْل هؤُلاءِ ملَكوتَ الربّ. مَنْ لا يَقبلُ ملَكوت الرب مثْلَ وَلَدٍ، فلَن يدخُلَه” (لوقا: الإِصحاح 18، الآيتان 16 و17).
هذا الحنوُّ على الأَولاد يأْخذُني إِلى ما أَخرَجه ابنُ أَبي حاتم عن ابن عباس الذي رَوى عن رسول الله قوله: “مَن قرأَ القرآن قبل أَن يحتلِم فهو ممَّن أُوتيَ الحكْم صبيَّا”.
إِنه إِعدادُ الطفل، منذ سنواته الطريَّة، على العطاء كُرمَى لكَرَم الذات بُلوغًا إِلى إِكرام السِوى لاحقًا. فلا كرَمَ أَسخى عطاءً من كَرَم الذات، وهو لا يكون إِلَّا بزَرع السخاء في قلوب الصغار تهيئةً إِياهم لمزاولته راشدين: “وإِذا بلغَ الأَطفالُ منكُم الْحلمَ فلْيسْتأْذنُوا كما اسْتأْذنَ الذين مِن قبْلهم، كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ لكُم آياتِه واللَّهُ عليمٌ حكيم” (سورة النور، الآية 59).
عبارةُ أُسقف روما الساطعة، شاءَها كما تمهيدًا لِما سيقرأُ الصغار لاحقًا ما جاء في الإِصحاح 15 من إِنجيل متى: “… وأَخذ السبعَ خُبزات والسمَك، وشكَرَ وكسَرَ وأَعطى تلاميذَه، والتلاميذُ أَعطوا الجمع فأَكل الجميع وشبِعوا. ثم رفعوا ما فضَّل من الكسْر سبعَ سلال مملوءَة، والآكلون كانوا أَربعةَ آلاف رجلِ عدا النساء والأَولاد” (الآيات 36 -38).
عبارةُ البابا، ونحن على التهَيُّؤِ لشهر رمضان، تأْخذُني أَيضًا إِلى ما سيقرأُ الصغار لاحقًا عن العطاء والكرَم والسخاء في الآية 110 من سورة البقرة: “وأَقيمُوا الصلاة وَآتُوا الزَكاة، وما تُقَدِّمُوا لأَنفُسكُم من خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ”.
عبارتُه تلك، في هذه الأَيام بالذات: بين فُصحَين من شرقٍ وغرب، وعلى مداخل شهر الصيام الذي يعلِّم الناس التقشُّفَ بقَدْرِمَا يعلِّمهم فضيلةَ الزَكاة، ووسْطَ ما نمرُّ به من ضيقٍ اقتصاديّ واختناقٍ ماليّ، وما نَشهدُه من مبادراتِ تعاونٍ بين اللبنانيين لنُصرة إِخوانِ لهم معْوَزين جائعين خائفين، تُضيْءُ على ما في قلب هذا البابا التاريخي الذي جمَعَ الـﭭـاتيكان إِلى الأَزهر، ويكتفي بأَقلِّ الأَقلّ من مُسوح التواضع والتقشُّف والبساطة مُدَّثرًا بقول ابن مريم أَنْ “مجَّانًا أَخذتُم مجَّانًا أَعطوا”.
فلا أَجدرَ من أَن يكون كتابُه الجديد، الموجَّهُ برسومه إِلى عيون الأَطفال وبعباراته البسيطة إِلى أَذهانهم، ليَقرأَ مسْلمُوهم ومسيحيُّوهم عبارتَه “شارِكُوا الآخَرين ما لديكُم من خُبْز وخَير”، فيتَّخذوا الزَكاة مبدأَهم، وتتَّخذَ مداها الأَبعدَ عبارتُهم: “المسيحُ قام، حقًّا قام”.
هـنـري زغـيـب