من أَيِّ كوكبٍ يأْتون؟ وفي أَيِّ كوكبٍ بعيدٍ عن كوكبنا يعيشُون؟ وهل بأَوضاع شعبنا يشعرون؟
وسْط هذه العاصفة الداهمة الهوجاء من مآسٍ وفواجعَ تضرِبُ وطننا الْمصلوب، ما زالوا يتناتشون التعيينات ويفرِضون القرارات ويحرَدون ويهدِّدون بالانسحاب والمقاطعة والمعارضة ويطالبون بنيل حصَّتهم وإِلَّا…
تركوا مسؤُولياتهم تجاه شعبهم كأَنَّ البلد في أَزهى أَوضاعه، وهجموا على التعيينات المصرفية والمالية وسواها بكلِّ ما من أَحجامهم يملِكون.
الشعب يخاف ويقلَق ويجوع، وهم في تناتُش مَطالبهم مشغولون.
يتسابقون على توظيف أَزلامهم، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
يتشدَّدون في المطالبة بحصصهم الطائفية والحزبية والسياسية، والكارثة تتشدَّد والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
لا تهمُّهم كفاءات وشهادات بل ما يغنمون من تقاسُم المحاصصات والصفقات ولو بالتجاوزات، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
لم تعُد لديهم في الدولة أَولويات عاجلة سوى مغانمهم السياسية حتى في استرجاع مَن يرغب مِن الخارج، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
شكَّلوا حكومةً سمُّوها مستقلةً تكنوقراطية فإِذا بهم يريدون إِدارتها بالــ”ريموت كونترول”، وأَخصامهم يرجمونها ويعدِّدون تقصيرَها ومثالبَها وينعَونها ويطالبون بإِسقاطها، وفيما جميعُهم بكل ذلك ضالعون، الشعبُ خوفٌ وَجُوع.
مَن داخلَ الحكْم يَدْعم الحكومة ويُدَعِّمها، ومَن خارجَ الحكْم يصوِّبون عليها، وجميعُ مَن في الخارج والداخل بين الاحتكار والاحتقار منهمكون، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
لم نقْرأْ عن مرشَّحٍ على منصب أَو وظيفة أَو لجنة إِلا وهو “من حصة” هذا الفريق أَو ذاك أَو ذلك بين القوى السياسية والتيارات السياسية والأَحزاب السياسية والتكتُّلات السياسية، والتلاطُم يقوى والتصايُح يزداد، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
كأَنَّما لم تَعُد في لبنان كفاءَات مستقلَّة صالحة فعلًا لخدمة الوطن إِلَّا إِذا كانت تابعة لصاحب المعالي أَو السعادة أَو الفخامة أَو الدولة، وهُم لأَغراض انتخابية مناطقية مذهبية مقبلة منهمكون، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
يُعْلُون أَصواتهم الناشزة لحساباتهم الحكومية والنيابية والرئاسية، فيتشدَّدون في توزيع المناصب لا وَفْق الكفاءَات بل الولاءَات لهم زبائنيًّا ومحسوباتيًّا وأَزلاميًّا وأَغناميًّا ومحاصصاتيًّا، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
وكأَنهم استأْنسوا بموضة Online للتعليم عن بُعد، والاجتماعات الإِلكترونية عن بُعد ولا حاجةَ إِذًا لتَنَقُّلهم ووضع كمامات وقفَّازات، فحسَروا عن وجوههم، وخرجوا (Online) بدون أَقنعة واقية وبأَصوات غير مكمَّمة، فأَخذوا يتصايحون ويُنَظِّرون عن بُعد، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
هو هذا ما يَدْرون وما يُدَارون، ما يُديرون وما يُريدون، والشعبُ خوفٌ وَجُوع.
غير أَنَّ ما يجهلونه اليوم ويتجاهلونه للغد، أَن الكورونا لا بُدَّ أَن يَنحسر، ومعه أَكوامًا سينحسرون، وستنفجر بهم الحقيقة لتعلِّمَهم أَنهم على قميص الوطن في أَسوإِ حالاته اقترعوا، لكنَّ الوطن الذي شعبُه خاف وجاع، سيَطرُدُهم مَنفيِّين على أَكوام رذائلهم بحقه، وسوف يُعاقبهم لا في صندوقة الاقتراع وحسْب، بل على قارعة الغضب.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib