كان طبيعيًا، ووباءُ الكورونا تغلغلَ إِلى مفاصل مجتمعنا معشِّشًا في الأَجساد، أَن يتَّخذ المواطنون إِجراءاتٍ وِقائيةً بعضُها فرديٌّ والآخَر جَماعيّ، تَزيد من التوعية عليها وسائلُ الإِعلام التي تجنَّدَت، بكل مهنية عالية، لِبَثِّ إِرشادات طبية وصحية وغذائية واجتماعية تحذِّر المواطنين من المَخاطر والمُخاطرة، وخصوصًا من تجمُّعات متلاصقةِ الأَفراد تَنقل الجرثومة القاتلة إِلى المتلاصقين.
وبلغ الأَمرُ السلطاتِ الدينيةَ فبادرَت المملكة العربية السعودية إِلى تعليق العُمرة، وأَفتت وزارة الأَوقاف الكويتية أَن يَسقط عن المسلمين حضورُ صلاة الجمعة فتصلَّى ظُهرًا في منازلهم، وأَعلن الـﭭـاتيكان إِغلاق كاتدرائية القديس بطرس وساحتها حتى 3 نيسان المقبل، وأَلقى البابا فرنسيس عظته الأُسبوعية الأَحد الماضي من غرفته عبْر البث المباشر كي لا يحتشدَ آلاف المؤمنين لسَماعه في ساحة القديس بطرس، ومجلس المطارنة الموارنة في بكركي خلال اجتماعهم الدوري لهذا الشهر اتخذ قرارَ أن تتمَّ المناولة في يد المتقدِّمين إِليها خشيةَ أَن تنتقل الجراثيم من يد الكاهن إِذ تلامس تباعًا فمَ المؤْمنين.
على أَن بعض المغالين في الإِيمان، طقوسًا لا جوهرًا، رأَوا في تلك التدابير خروجًا على شعائر الدين، فوقَعوا في محظور التمسُّك بالممارسة التي ليست، ولا في أَيِّ دين، وحدها الطريقَ الوحيد إِلى العبادة.
فهوذا القرآن الكريم واضح في الأَمر، كما جاء في الآية 95 من سورة النحل: “ما عندكم يَنفَد وما عند اللَّهِ باقٍ، ولَنَجْزِيَنَّ الذين صبَروا أَجْرَهُم بأَحسنِ مَا كانوا يَعْملون“، وهوذا الإِنجيل المقدَّس واضحٌ كذلك، كما جاء في الآية 20 من الإِصحاح 17 في إِنجيل متى: “الحقَّ الحقَّ أَقول لكم: لو كان فيكم إِيمانٌ مقدارَ حَبَّةِ خردلٍ لَكُنْتُمْ تقولون لهذا الجبل انتقلْ فينتقل، ولا يكون لديكم أَمرٌ مستحيل“.
من هنا إِذًا: لن يكون ضيرٌ على أَشدِّ المؤمنين تقوًى وإِيمانًا أَن يلزَموا بيوتهم ويمارسوا من غرفهم تقواهم وإِيمانهم، تحرزهم الآية 115 من سورة البقرة: “ولِلَّه المشرقُ والمغربُ، فأَينما تُوَلُّوا فثمَّ وجه اللَّه، إِنَّ اللَّه واسع عَليم“، وتحميهم الآيتان 5 و 6 من الإِصحاح السادس في إِنجيل متى: “أَما أَنتم، متى صلَّيتُم، فلا تكونوا كالمرائين يدَّعون الصلاة في المجامع وزوايا الشوارع كي يَراهُم الناس. متى شئْتم أَن تُصلُّوا، فادخُلوا مخدعَكم، أَغلقوا بابكم، وصلُّوا إِلى أَبيكم الذي، وهو في الخفاء، يراكُم ويَجزيكم علانية“.
بذلك، والكورونا لا تفرِّق بين مُسلم ومسيحي، بين مؤْمن ومُلحد، بين ممارس دينَه في المسجد أَو الكنيسة، أَو في غرفته تائبًا متضرِّعًا، على المؤمنين الاتعاظُ من المآسي “الكورونية” حولهم، واتقاءُ التعرُّض بين المجاميع حتى للصلاة. فاللهُ الواحدُ الأَحد سميعٌ مجيبٌ، ورحمان رحيم، هو الذي نقلَ عنه متى في الآية 21 من الإِصحاح السابع: “ليس كلُّ من تَضرَّع: يا رب، يا رب، يَدخل ملكوت الرب، بل مَن يَفعل إِرادة أَبي الذي في السماء“.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib