كأَنما لا يكفي خنقُ اللبنانيين على أَرض “وطنهم الحبيب”، وما يعانون من ضيق ذاتِ اليد والعقل والعاطفة، واستجداءِ موظَّفي المصارف، وقطْعِ نَفَس البطاقة الائتمانية، حتى نَعى الناعي القدرةَ الشرائية للبطاقة الائتمانية اللبنانية في العالم.
فبعدما قطعوا رأْسها مـحدِّدين سقفَ سُحوباتها في لبنان والمهجر، حدَّدوا الـمَحالَّ والـمقارَّ والأَماكنَ والـمخازنَ التي لِلُّبناني الحقُّ الـمحدود في دخولـها دون سواها. هكذا، لَـم يَعُد في وسْع السيدة اللبنانية، مثلًا، في أَيِّ مكانٍ من العالَـم، أَن تشتري قطعةَ ذهَب لِـحفيدتها في عيد ميلادها، ولا إِسوارةَ العروس لابنتها في يوم زِفافها، كأَنما دولتُنا الشوساء حَدَّدَت حقَّ اللبنانيين في بطاقة ائتمانهم على شِراء بضع باقات من البقدونس، وبضعة رُؤُوس من البطاطا، وليمونتَين وتفاحة واحدة، ذلك أَنَّ التبذير من آفات الشياطين.
وَعَدونا أَن يُبعدوا عنا كابوس الـحلَّاقين بِقَصّ الشعر (Hair Cut).
وَوَعَدونا أَن يَـمنعوا عنا عين الرقيب العَوراء (Capital Control) على البقيّة الباقية من أَموالنا الــمنقولة من جيوبنا إِلى الـمصرف المنقولة منه إِلى المصرف المركزي المنقولة منه إِلى ديار الله الواسعة على قاعدة “إِمشِ على ما يْقَدِّر الله… والكاتِبُو ربَّك يصير”.
وَوَعَدونا بأَنَّ في السراي اجتماعاتٍ مُطَمْئِنةً لورشة عمل مالية واقتصادية يَنجُم عنها ما يُـخصِّصه البيان الوزاري في جُزء كبير منه للوضع الـمالي والاقتصادي، بعد مداولات مع قُطبَـي المصرف المركزي وجمعية المصارف، وُصُولًا إِلى إِجراءاتٍ تُؤَمِّن الـحدَّ الأَدنى لاسترجاع ثقة المواطن عبر معالجات جِدِّيَّة ستساعد على تبريد حرارة الأَزمة تمهيدًا لإِطفائها.
وَوَعَدونا عكسَ ذلك في قصر بعبدا بِأَخبارٍ غيرِ مُطَمْئِنة لأَنها ستكون إِجراءات قاسية، وربما موجعة، للخُروج من هذا الخراب، ويطلب أَهل القصر بكل حنانٍ تَفَهُّمَ المواطنين دون استفهامهم عن التفاصيل.
وبين تحذيرات بعبدا وتطمينات السراي يقِف المواطنُ متسائلًا عن أَيِّ مصيرٍ يترقَّب، وأَين هي الخطَّة الـمُنْقِذة، ومن ذا يَرسم سياسةً مالية واقتصادية لا تضيع بين ترهيب بعبدا وترغيب السراي، ومَن يراقب مَن في هذا الدردور، ومَن يُـحاسِب مَن عند أَيِّ معبور، ومَن يُنقذ المواطن من جميع هذه الشرور!
وبين التطمينات والتحذيرات، وبين الوعود والصُدُود، يقف المواطن اللبناني في الصف ليَتَرجَّى موظَّفًا في مصرف، ويفاجأَ أَنَّ بطاقتَه الائتمانية في الخارج لا تَسمح له من التنَعُّم الأَدنى في الحياة إِلَّا بشِراء بضع باقات من البقدونس، وبضعة رُؤُوس من البطاطا، وليمونتَين وتفاحة واحدة، ذلك أَنَّ… التبذير من آفات الشياطين.
هـنـري زغـيـب