ما إِن أَخـمَدَت الجهودُ والأَمطارُ حرائقَ الأُسبوع الماضي التي أَطاحَت ملايينَ الأَشجار الخضراء، حتى اشتَعَلَت حرائقُ فاجعةٌ أُخرى تُنْذِر بزمن الغضب والتغيُّر وبإِطاحة أَشجارٍ بَشريةٍ يابسةٍ أَصلًا بِرَسْم مَن يَقتلعها.
انتقالُ الحرائق من أَحراج المناطق الأُسبوع الماضي إِلى شوارع الوطن هذا الأُسبوع، ذكَّرَني بــ”صقور النار” القادرة على إِشعال الحرائق. وهي أَخطرُ من الكوارث الطبيعية لأَنها تُشْعِلُ الحرائق عَمْدًا لطبيعةٍ ساديةٍ في تكوينها الحيواني بغريزة البقاء والحياة.
وفي دراسة نشَرَتْـها المجلة العلمية الـمُحَكَّمة “إِتنوبِيُولوجيا” أَن هذه الطيورَ الجارحة في فضاء القارة الأُسْترالية معروفةٌ بإِشعالِ الحرائق للكشف عن فرائسها تمهيدًا للانقضاض عليها سريعًا واقتناصِها فافتراسِها. وسكَّانُ أُسْتراليا منذ القِدَم يَعرفون تلك الطيور ويُسمُّونها “صقور النار”.
هذه الطيور في أُسْتراليا يساعدها مناخٌ جافٌّ يُسهم في سرعة اشتعال الحرائق، يَزيدُه نشاطُ “صقور النار” القادرة على إِحراق 730 أَلف متر مربع خصوصًا في المساحات المغطَّاة بحشائش الساﭬـانا. ذلك أَن تلك الطيور، بغريزتها، تلتقطُ من مناطقَ مشتعلةٍ قضبانًا مشتعلةً تحملها في مناقيدها وتُلقيها فوق مساحات جافة من الحشائش فتندلِعُ الحرائق. عندئِذٍ تُذْعَر القوارضُ والزواحفُ المختبئِة في الجحور تحت الحشائش وتَخرج هاربةً فتنقضُّ عليها “صقور النار” وتفترسُها بسهولة. وفي ختام تلك الدراسة شهادةُ إِطفائيٍّ أُسْترالِــيٍّ أَنه بعدما أَطفأَ مع زملائه حريقًا ضخمًا طيلةَ ساعاتٍ مُضْنِيَة، لَـمَحَ طيرًا من “صقور النار” يَحمل في منقاده غصنًا مشتعلًا رماه في بقعة مُـخمَدَة فاشتَعَلَت من جديدٍ مُـحْدِثةً حريقًا أَضخمَ من ذاك الذي تَـمَّ إِخمادُه.
قلتُ إِني تذكَّرتُ “صقور النار” في أُسْتراليا حين رأَيتُ في لبنان غربانَ الموت منتشرين في فَضائِه وعلى أَرضه، بين غاباته وبين أَبنائِه، مِنهم مَن أَشعل خُضْرة لبنان ليلَ الأُسبوع الماضي فأَيْبَسَها، ومِنهم مَن يُشعل نُضْرة لبنان بجميع وسائل القهر والضغط والإِكراه في توتاليتاريا وقِحَةٍ يتحكَّم بها صقورٌ في السياسة مُستَعدُّون أَن يُــحرقوا بيروت لإِشعال رأْس أَركيلة. فغربان الموت في لبنان يُشعلون الفِتَن لطبيعةٍ ساديَّةٍ شريرةٍ في نفوسهم فيُوقِدون شعبَ الوطن كي يَظَلُّوا رازحين في حُكْم لبنان، على أَكتاف شعب لبنان، على رُؤُوس شعب لبنان، على مُستقبَل شباب لبنان، من أَجْل أَن يظَلُّوا هم ذاتُهم في السلطة يُـمارسون لذَّةَ التَسَلُّط ومتعةَ قيادة الشعب قطيعًا بلا رأْيٍ، بلا موقفٍ، بلا صوت.
غير أَن غربان الموت في لبنان – الـمُستعدِّين أَن يَرموا أَغصانَ النار على شوارع لبنان كي تُـحْرِقَها بـما فيها ومَن فيها – لا يَعرفون أَن اقتناص الفرائس باستفرادها لن يَدوم، فلا بُدَّ أَن يَقْتَنِصَهم شعبُ لبنان بتفجيرِ بركانٍ ثائرٍ لن تُطْفِئَهُ تَهديداتُ هؤُلاء الغربان الذين لَـم يُصَدِّقوا بعدُ أَنَّ لبنان يُـمْكِن – بلى يُـمْكِن – أَن يُطِلَّ فيه قريبًا فجرٌ جديدٌ مُبَشِّرٌ بِزَمان الغَضَب والتغيُّر.
هـنـري زغـيـب