“أَزرار” – الحلقة 1066
من دفاتر سَفَرِهم: أَيُّ صورة؟
“النـهار”  –  السبت 22 كانون الأَوَّل  2018

         إِلى أَيِّ حَدٍّ يمكن الركونُ إِلى ما دَوَّنَه عن بلادنا رحالةٌ ومستشرقون، كلٌّ وفْق معايناتٍ وانطباعاتٍ شخصية سلبية أَو إِيجابية تُمليها نِظرته إِلى بلادنا وأَهاليها.

         هذا فيليـپ بِرجيه في كتابه “سكة الحديد من بيروت إِلى دمشق وحُوران” (ﭘـاريس 1894) حين غادر فلسطين التي “طرُقاتُها معارجُ يصعب على البغال سلوكُها” يكتُب: “أَطلَّت علينا جبالُ لبنان مكلَّلةً ببساط أَبيض على قمة صنين. عَـبَرنا بيروت إِلى جبل لبنان فصادفْنا رجالًا أَشدَّاء، واسعي الرؤْية، ممشوقي القوام، ونساءً منهمكاتٍ في الحقول بِـجمْع أَوراق التوت، بينهنَّ أَولادٌ أَنيقو الثياب. ورأَينا في البعيد تلالًا مكسوَّةً بأَنصاب التُوت وقامات الصنوبر. ومع الغروب التـفَـتْـنا إِلى بيروت فإِذا بيوتها تُضاءُ وتُوزِّع أَنوارها على حدائق البُيُوت“.

         وهذا جون كايْن في كتاب “سورية، الأَراضي المقدَّسة، آسيا الصغرى” (نيويورك 1836) يكتُب في فصل “بيروت وجبل لبنان”: “رأَيتُ النساء يرتدين ملابسَ زاهيةً ثمينة، ويعتمِرْن طنطُورًا فضيًا مزركشًا بتصاويرَ جميلة، مزيَّنًا بالحلى الصغيرة. بيروت، يَزهو بها لبنان على سائر البقاع السكَنية. فهي هادئةٌ، تتغيَّر مناظرُها بين حيٍّ وآخَر، بين زاويةٍ وأُخرى، وهي سُكنى القناصل وكبار التجار. مرفَـأُها مَرسى السفُن من كل أُوروﭘــا، والغربي يجد فيها حيويةً ورغْدَ حياةٍ أَكثر مما في أَيِّ منطقةٍ حولها أَو حتى بعيدة عنها. بين أَهلها لا يَشعر الغربيُّ بأَيِّ غُربة عن بلاده وأَهله. نُـمُوُّها يطَّرد بسُرعة، وتنشأُ فيها بيُوت أَنيقة العمارة. وعلمتُ أَن التعليم فيها يُعطى للأَجيال الجديدة بِـدأْبٍ وعناية“.

         على العكس من ذلك، نجدُ إِرنست رينان سلبيًّا حيالَ بلادنا في رسائله الخاصة إِلى صديقه مَرسُلان بِرتُلُو (ﭘـاريس 1898)، فيكتُب إِليه من عمشيت (25/1/1861): “يُحزنني أَن أَقولَ لكَ، ولــيَبْـقَ هذا بيننا، إِن هذه البلاد لن تتمدَّن إِلَّا بالاستـعباد. أَبناؤُها لن يُـنجزوا أَعمالًا كبرى لأَنهم اعتادوا الكسل فلا يعمَلون إِلَّا مرغَمين كي يسدِّدوا الضريبة“.

ويكتُبُ إِليه من بيروت (11/2/1861): “ينقص الأَهالي هنا الاستقرارُ والتسلسل في أَفكارهم وصوابيةُ النظرة. لذا لن يُحقِّقوا يومًا إِنجازًا عظيمًا. ليس لديهم رشادٌ وعقل خلَّاق. يتلقَّفون راضخين أَيَّ أَمر يُعرَض عليهم ولو كان نافلًا أَو مؤْذيًا بِـحقِّهم. لا هويَّـةَ واضحةً لهذه البلاد، فأَهلُها ينصاعُون إِلى أَيِّ مَن يحكُمُهم فينتَمُون إِليه“.

          ومن صيدا (23/1/1861) يكتب: “الناسُ حولنا لا حديث لهم إِلَّا عن ذكرى مجازر 1860: المسلمون خشيةَ العقوبات على ما سبَّبوه، والمسيحيون ثـأْرًا لضحاياهم وخشيةَ كوارثَ محتمَلَة“.

         هكذا، من وجهة نظرٍ إِحاديَّة شخصيةٍ تَداخلَ فيها العلْم والأَدب والانفعال، وفي غياب وسائِط تَواصل أَو وسائِل اتصال أَو مصادرَ أُخرى عن تلك الحِقَب، دوَّنوا في دفاتر سَفَرهم صورةً عن بلادنا تبقى عرضةً للجدل، وخاضعةً للمقارنة بمراجع موضوعية موثَّقة من مصادرَ أُخرى.

هـنـري  زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib