ما زالت عيونُنا تَـرتطم صباحًا بِصُوَرهم وشعاراتهم تَـملأُ الحيطان والسطوح. ولا شكَّ أَنهم أَيضًا يَـمُرُّون بها، بين غصَّةِ مَن لم ينفعْه شعاره تحت صورته هاشًّا باشًّا، واعتزازِ من أَوصلَه اصطفافُه – لا شعارُه تحت صورته – إِلى ساحة النجمة، ولو بأَصواتٍ ضَحلةٍ ضئيلةٍ هزيلةٍ بفضل قانونِ انتخابٍ نسبـيٍّ اسْـمـًا استنسابـيٍّ واقعًا.
في الحلقة السابقة من هذا البرنامج (صباح الأَحد 29 نيسان) تَـحدَّثتُ عن هذه الصُـوَر والشعارات، وقلتُ إِنّ لها ضَـررًا على الـمُواطن بإِفسادِها ذوقَه وثقافتَه ولغتَه، وتُؤْذي عينَه في تَلَوُّثٍ بصَريٍّ فوضويٍّ.
أَإِلى هذا الـحَدّ يؤْذي العينَ التلوُّثُ البصريُّ الفوضويّ؟
للجواب، أَنتقل إِلى الرياض وقراءَتي قبل أَيَّامٍ خَبرًا عنوانه: “إِزالة 5 آلاف ملوِّث بصَريّ عن مدخل الرياض الشرقي“، وفي التفصيل أَن “أَمانة منطقة الرياض نفَّذَت حملةً ميدانيةً مكثَّفَةً أَزالت نحو 5 آلاف عنصَرِ تَلَوُّثٍ بصَري عن المدخل الشرقي للعاصمة، وهو أَحدُ تسعةِ مداخلَ للمدينة، وذلك لإِزالة التَلوُّثات البصرية ضمْن برنامجِ تحسينِ المشهدِ الحضاريّ في المدينة. وبينَ ما أُزيل في تلك الحملة: خيامٌ مخالِفة، غُرَفٌ جاهزةٌ عشوائية، مسالـخُ فَوضَوية، بَسْطاتٌ تجاريةٌ منفلشةٌ خارجَ القانون، لوحاتٌ إِعلانيةٌ غيرُ منضبطةِ التوزيع، مَركباتٌ وآلياتٌ صَدِئَةٌ مرميَّةٌ على الطرقات. وأَصدرت أَمانةُ العاصمة قرارًا حازمًا بِإِزالة أَيِّ نوعٍ من الـمُخالفات ذاتِ الـمُلوِّثاتِ البصريّة، حفاظًا على جماليّة مدينة الرياض، سعيًا إِلى تحقيقِ تَطَلُّعاتِ السُكّان، وحرصًا على سلامتهم وراحتهم“.
يلفتُني في هذا الخبر، عدا عناصِرِه الـمُزالَة، استخدامُ عبارتَين: “إِزالةُ التلوُّث البصَري”، و”حفاظًا على جماليّة المدينة”، وهو يُشير إِلى بداهة النظافة والأَناقة والجمال في المدينة، احترامًا أَهلَها وسُكّانَها وزُوَّارَها وسُيّاحَها، فلا سياحةَ حيث التَلَوُّثُ، سمْعيًّا كان أَو بصريًّا أَو شَـمِّيًّا، ولا صحةَ للناس بين نُفاياتٍ تؤْذي الأَنفَ أَو السمْعَ أَو العينَ أَو الـمَذاقَ في أَطعمةٍ منتهيةِ الصَلاحية، فكيف بالتَلَوُّث البَصَريّ في صُوَرٍ وشعاراتٍ كانت أَصلًا عديمةَ الصَلاح وباتت اليوم عديمةَ الصلاحية.
في القانون اللبناني موادُّ واضحةٌ تُـحدِّد الـمسافةَ بين الإِعلانات وشروطَ استخدامِها وقياساتِـها وأَحجامِها كي لا تُـلَـوِّثَ البصَرَ ولا تشغلَ السائقين والـمارَّة فتُلْهيهم عن الانتباه إِلى الطريق والـمارَّة وإِشارات السير.
وفي رأْس مذاهبِ القانونِ احترامُ الـمُواطن وتوفيرُ أَمانه وَرَفَاهِه. لكنّ الـمُخالفات التي تَـجتاحُ المدينة عندنا والطرقاتِ والأَحياء، تلويثًا بَصَريًّا وسَـمْعيًّا وشَـمِّيًّا ونفسيًّا وجسَديًّا وجُرثُوميًّا صحيًّا، تَـجعلُ الـمُواطن في خطَرٍ حقيقيٍّ تعمَل عليه الحكوماتُ تنفيذًا والبرلَـماناتُ تشريعًا، لأَنَّ في رأْس حقوق الإِنسان الـحفاظَ على صحّتِه وأَمنِه وأَمانِه وظروفِ حياته.
مجلسُ 2018 ووليدَتُه حكومةُ 2018، إِن لَـم يَعمَلا على إِنقاذ الـمُواطن اللبناني من جميع أَنواع التَـلَـوُّث، فَـعَـبَـثًا يَدَّعي الـمُدَّعون شعاراتٍ على صُوَرٍ وخُطَبًا انتخابية، وعبثًا يَـحلُم اللبنانيون بأَنَّـهم انتخبوا مَن سيَعمَلون على بناء دولةٍ تُنقذُهم مِن منطِق العشيرة وأَسياد الـمزرعة وسياسات القبائل اللبنانية الـمُتَّحدة.
هـنـري زغـيـب
www.facebook.com/poethenrizoghaib