“نقطة على الحرف” – الحلقة 1336
كُلُّنا للوطن: إِنْشَادُ الانتماء
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد  26 تشرين الثاني 2017

النشيدُ الوطنيُّ ضرورةٌ وجدانية

         في ذكرى الاستقلال، نهار الأَربعاء الماضي، قامت محطة تلـﭭـزيونية بتحقيق ميداني في الشارع مع بضعةٍ من شباب وصبايا سأَلتْهم إِن كانوا يعرفون النشيد الوطني اللبناني كاملًا، فكانت المفاجأَة غيرُ السارَّة أَنْ لم يعرفْ أَحدٌ ولا حتى مطلعَ النشيد.

          مُـخيفٌ هذا الوضْعُ بقَـدْرِما هو مؤْسف. الأَسف على شبيبة لبنانية يُفتَرَض فيها أَن تعرف على الأَقل نشيدَ بلادنا، والمخيفُ أَنْ تكبَرَ هذه الشبيبة مبتعدةً عن أَقرب ما يُفتَرَض فيها أَن تنتمي إِليه: نشيدُنا الوطني الذي هو رمزُ بلادنا الذي به تَــتَــعَــنْــوَن، وخصوصًا لجمال مطْلعِه الذي يصدَح “كلُّنا للوطن”.

          على أَن اللومَ ليس مباشِرًا على هؤُلاء الشباب والصبايا وكثيرون منهم طائِشون أَصلًا عن كلّ ما هو وطنيٌّ ولبنانـيٌّ، بل اللومُ على الذين يتوَلَّون تَنْشِئَتهم في المدارس فلا يبدأُون نهارَهم المدرسيّ كلّ يوم بإِنشاد النشيد الوطني اللبناني أَمام العَلَم اللبناني، كي يرسخ في ذاكرتهم ليكونَ في وعيهم وفي لاوعيهم مخزونَ تلك الذاكرة. ففي التكرار اليومي، أَبعَدَ من مجرد الإِنشاد البَــبَّــغـاويّ، ترسيخٌ غير مباشِرٍ للوطنية والانتماء.

          في خبر من أَبو ظبي أَن مجلس التعليم يطْلق عقوبة صارمة على أَيّ مدرسة تتجاهل تحية العلم ورفع السلام الوطني عند بداية اليوم الدراسي، وهو أَمرٌ إِلزاميٌّ يوميٌّ في جميع مدارس الإِمارة، على اعتبار أَنّ “رفع العلَم والسلام الوطني ضرورةٌ وطنيةٌ وجدانيةٌ لا غنى عنها للطلَبَة في أَيّ مرحلةٍ من مراحل التعليم”.

          “ضرورةٌ وجدانيةٌ ووطنيةٌ”، صحيح. فحين يكبَرُ التلميذ على الوجدان الوطني، يتنامى معه الانتماءُ فلا يعودُ لاحقًا يفرِّط في أَيّ حقٍّ من حقوق وطنِه عليه، ومن هذ       ا الانتماء يَنطلقُ إِلى الحفاظ على الوطن كأَنه بيتُه الغالي لا أَن يعتبرَه فندقًا يسكُنه طالـما يرتَع فيه بكل رفاهياته حتى إِذا تضايق منه انتقل إِلى وطنٍ آخَر بل فندقٍ آخَر في بلدٍ آخَر يُــؤَمِّن له العيش والرفاهية.

          بين مقاصد الخدمة العسكرية الإِلزامية في كل بلد، ترسيخُ الأُلفة بين المواطنين موحَّدةً أَمامَ علَمٍ واحدٍ، لخدمة بلدٍ واحدٍ، وتَنَامي مواطن واحِدٍ موحَّدِ الولاء موحِّد الوفاء، حتى إِذا كَبُرَ على هذَين الوفاء والولاء كَبُرَ معه تَـمَسُّكه بوطنه، تَعَلُّقُهُ بأَرضه، تَـجَذُّرُهُ في شعبه، إِيـمانُهُ بإِرثه حتى لا يَـحزم حقيبتَه ويتخلَّى عنه عند أَوّل منعطَف لا يرضيه.

          في كتاب “يوم تنهض الصين يهتز العالم” للكاتب والوزير الفرنسي آلان ﭘــيرفيت، أَنْ على عهد ماو تسي تونغ، وبصرْف النظر عن قناعتنا به أَو عدمها، كان إِلزاميًّا على الطلّاب والموظَّفين والعمَّال أَن يصطفُّوا كلّ صباح ويقرَأُوا مقطعًا من فصلٍ في “الكتاب الأَحمر الصغير” ترسيخًا في وعيهم ولاوعيهم تعاليمَه التي قادت البلاد إِلى النهوض. وكما قلتُ، أَاتَّفقنا مع تعاليمه أَم لا، على توتاليتاريَّـتـه أَم لا، يهمُّني هنا من الموضوع الترسيخُ اليوميُّ للترداد اليوميِّ حتى يتكوَّن الانتماء وتتعمَّقَ القناعة.

          ومع انتفاء الخدمة العسكرية الإِلزامية في لبنان، فَلْتَحِلَّ مكانَها ضرورةُ الاصطفاف يوميًّا أَمام سارية علَم لبنان صباحَ كلِّ يومٍ مدرسيّ، وَلْـــيُـــنْـشِدْ تلامذتُنا نشيدَ لبنان الوطني، وَلْـيْـبَدَأْ نهارُهم بِوَلاء “كُلُّنا للوطن” لأَن هذا الولاءَ يُدخِل في وجدانهم الوطني وفاءً للشعب والأَرض، وبين الوفاء والولاء يَغدو الوطن في قناعتهم أَبًا لكل واحدٍ منهم، حبيبَ كلِّ واحد منهم، يَـخُصُّ كلَّ واحدٍ منهم، وعندها يَنْتَفي لديهم شعورُ أَنهم يعيشُون في فندق مُوَقَّت يغادرونه متى يشاؤُون إِلى أَيِّ فندقٍ آخر.   

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib