“نقطة على الحرف” – الحلقة 1326
نادي قراءةٍ  إِلكترونيٌّ ينادي  القرَّاء
إِذاعة “صوت لبنان” – الأَحَــد  17  أَيلول 2017

لا نلومَنَّ التكنولوجيا على تهافُت جديدِها المتواصل وابتكاراتِها الحديثة التي تتجدَّد مُـحدَّثَةً، لا كل يوم بل كل ساعة في اليوم. فالخلل ليس في التكنولوجيا بل في مستخدميها وفي وُجهة استخدامِهم إِياها للمنفعة، أَو التَــثَــقُّــف، أَو للتسلية المجانية وإِضاعة الوقت على تُــرَّهات رخيصة تافهة.

قبل يومين قرأْتُ في موقعٍ إِلكتروني أَن بعض أَكبر الناجحين في العالم، وبينهم وُورِن بافِت، وتشارلي مَنْغِر، وبِل غيتس، ومارك زوكربرغ، لا يجمَع بينهم مستوى الذكاء وحسب، ولا حجم الجهد وحسب، ولا مسارهم الوضيع في الطفولة وبلوغهم اليوم أَن يكونوا أَصحاب المليارات، بل يجمعهم حبُّهم المطالعةَ الدائمة، وجعلُهم القراءةَ حاجةً، واعتبارُهم الكُتُبَ أَهم استثمار في حياتهم.

لذا عمد بعضهم إِلى إِنشاء موقعٍ خاص لقراءاتهم، ينشرون فيه ما يقرأُون من كتب ومقالات وأَبحاث، ويشاركون زوار موقعهم برأْيهم في الكتب، ويتلقَّون من زوارهم آراءَهم في تلك الكتب وتعليقاتهم عليها. وهذه بادرة ممتازة تحث على القراءَة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك أَنْ لا إِرغام على القراءة ولا ضرورة للتذكير، بل خلق جـوٍّ مُؤَاتٍ في مرافقة القراء ومناقشتهم.

هكذا تتحول وسائل التواصل الاجتماعي نوادي قراءةٍ مثيرةً فضولَ القراء للقراءة والمناقشة، على مساحة بشرية واسعة جدًّا، تنقل الكتاب المقروء إِلى آلاف المتابعين، وتتلقى التعليقات والنقد والآراء، بعدما كانت القراءة محصورة بين دفتي كتاب، في قاعة مطالعة، أَو في مكتبة، ومحدودٌ فيها التواصل بين قلائل من المثقفين أَو المتابعين أَو القراء.

إِذًا، توسَّعَ اليومَ أُفقُ القراءة، وبات فضاءً افتراضيًا رحبًا، يتسع لآلاف نوادي القراءة يتنادى إِليها القراء، كلٌّ بكتابٍ أَحبَّه أَو سمع به أَو قرأَ عنه، وتكثُر النوادي وتكثُر القراءة وتكثُر الإِفادة إِذ يطير الكِتَاب من بين الدفَّتين في يد قرّاء محدودين، ليحُطَّ على لوح ذكي أَو شاشة هاتف ذكي أَو شاشة كومبيوتر فيبلُغَ آلاف القرّاء في وقتٍ واحد، وتكونَ القراءةُ مِتعةَ النَهِمين إِلى المعرفة، وتكونَ التكنولوجيا الإِلكترونية، بمختلف وسائطها ووسائلها وأَدواتها، في خدمة القراءة والقراء. وهي اليوم باتت في متناول الجميع ولا عْذْر لِـمَن لا يعتمد إِحدى تلك الوسائط والوسائل والأَدوات. فـمـن يستخدمها للقراءة يزداد معرفةً، ومن لا يقرأُ بها هو من أَكثر الناس غباءً.

وإِذا كانت زيارة المكتبات عناءً في المسافات، فها هي اليوم عند أَطراف الأَصابع، تحملها إِلى شاشاتنا الصغيرة وسائطُ تواصلٍ اجتماعي متعدِّدة ومختلفة.

فليُحسِن استعمالَـها مَن يرغب في زيادة معرفته، أَمّا مَن يستعملها لـمَضْيَعة الوقت، فليبقَ على هدْر عمره هباءً، وعلى تسطيح معلوماته وتعميق مجهولاته وغباءاته أَكثر فأَكثر.

هـنـري زغـيـب

email@old.henrizoghaib.com

www.henrizoghaib.com

www.facebook.com/poethenrizoghaib