في 10 آذار 1949 صدرَت في جريدة “لوريان” افتتاحية بتوقيع جورج نقاش اعتبرتْها الحكومة “مَسًّا بـكرامة الحُكْم الوطني” فحوّلتْه مع المدير المسؤُول كسروان لبكي إِلى المحكمة التي أَصدرَت حُكْمها بــ”سجْن جورج نقاش ثلاثة أَشهر وسجْن كسروان لبكي شهرًا واحدًا وتوقيف الجريدة عن الصدور ثمانية أَشهر”.
صدرت الصحف فترتَـئِذٍ بتعليقاتٍ شجَـبَت تلك الافتتاحية بـــ”أَننا نعيش زمنًا تنقلب فيه الأَوضاع وتنعكس المفاهيم، وفي هذه الغمرة من اختلال المقاييس وتشويه القِيَم لم يعُد إِلّا القول “عيب ما يجري في لبنان”.
هذه الحادثة، قبل 67 سنة، تذكَّرتُها بعد صرخة رئيس المجلس النيابي “عيب” على ما جرى إِبَّان جلسة الانتخاب الرئاسية ظُهْر الاثنين الماضي من مهاترات مُـخـزية وهَرج وفوضى ومزاح وكاريكاتور سُلُوكي شفَوي وخطّي، لا تختصره إِلّا كلمة “عيب” لأَنه جرى بحضور ضيوفٍ دبلوماسيين وسياسيين أَجانب وعلى مرآى الملايين أَمام الشاشات في بيوتهم والساحات.
هل هذه حُرمة رئاسة الجمهورية لدى مَن ينتخبون رئيس الجمهورية “باسم الشعب اللبناني”؟
هل هكذا يحترم الرئيسَ العتيدَ مَن يضع اسمَ عارضة أَزياء أَو شخصية يونانية أَو نائبة غير مرشَّحة أَو رموزًا لا غاية منها سوى تسجيل الاعتراض؟
هل هكذا يلغط النواب بين المقاعد حتى يزجُرَهم رئيس الجلسة كما ناظرٌ في مدرسة ابتدائية ينهَر تلامذةً “مشاغبين”؟
هل هذا هو احترام الدستور والكيان والأُصول والقواعد؟
هل جلسة الانتخاب الرئاسية حلبةُ تسلية على دَق طاولة زهر أَو سهرة حول لعبة طرنيب؟
هل يحقُّ لبعض النواب التغيُّب سنواتٍ عن ساحة النجمة فلا يأْتون إِلَّا يوم الانتخاب بعد طول غياب، فيما رواتبهم محفوظة، ومخصصاتهم محفوظة، و”كرامتهم” محفوظة بلا حسيب ولا رقيب، مع أَن في قانون مجلس النواب مادةً تُلزِمُ بحسم رواتبهم إِنذارًا ثم بفصلهم من جسم المجلس؟
ونحن على أَشهرٍ من موعد الانتخابات النيابية، هل سيلحَظ النوّاب مادةً في قانون الانتخاب “الموعود” يُلزمهم باحترام قانون مجلسهم غيابًا وحسمًا وتعليقَ عضويةٍ وعقوباتٍ مسلكيةً تَشَبُّهًا بالحكْم سجنًا على صحافي كبير من وزن جورح نقاش لأَنه “مَسَّ كرامة الحُكم” باسم الحرية؟
الحرية مسؤُوليةٌ والتزامٌ وأَخلاقيةُ التعاطي والتصرُّف تحت طائلة المحاسبة عند انتهاك تلك الفضائل الـمُواطنية.
لِـقُبَّة المجلس حُرمةُ احترامٍ لقاماتِ مَن مرُّوا تحت هذه القبّة وصنَعوا حُرمة لبنان.
وتَـهَـيُّب الرئاسة الأُولى فضيلةٌ في الدستور والأَخلاق الـمُواطنية، وانتهاكُها لا يبشّر بـجدّية التعامُل مع الرئاسة أَيًّا كان الرئيس وأَيًّا تكن ولايته.
تأْبى كرامتُنا، كشعب لبنان، أَن يكون تحت قبّة البرلمان مستهترون دون مستوى الحُرمة والتَهيُّب.
لذا، و”بِاسْم الشعب اللبناني”، نقول لأُولئك المستَهترين: “عيب”.
هـنـري زغـيـب
www.henrizoghaib.com
www.facebook.com/poethenrizoghaib