حلقةُ الأَحد الماضي عن استخدام اللغة الإِنكليزية للإِعلان عن مهرجاناتٍ لبنانية وحفلاتٍ لبنانية في أَماكن لبنانية لجماهير لبنانية، لم أَحسَبْ أَنها ستأْخذ هذا الـحَــيِّــز من الاهتمام بظاهرة عوجاء تـتـنـامى في مجتمعنا بطريقة عـرجاء، هي ظاهرةُ استخدام لغاتٍ ثلاثٍ في جملة واحدة تَـخرج فرنكولبنانية وأَنكلولبنانية وعربُولبنانية، وتنتهي لا لبنانية ولا فرنسية ولا إِنكليزية ولا عربية.
وينتشر هذا النهجُ بين الناس، وينتقل إِلى شاشات التلفزيون، فلا تكمل المذيعةُ ولا يطرح المذيع السؤالَ أَو الكلام إِلَّا مُضرَّجًا بكلمات أَجنبية. وحتى ضيوف البرامج والاستفتاءات يتلكّأُون عن الجواب بلغة سليمة فيلجأُون عمْدًا وباعتزاز إِلى كلمات أَجنبية يُـلْقونها على المشاهدين الأَعزاء بِــرَطانةٍ أَجنبية.
وأَرى أَن هذا ليس دليلَ علْمٍ ولا ثقافة ولا حضارة، بل تشَبُّثٌ بعُقدة نقص دونيةٍ تجاه الأَجانب أَن يبحث أَيُّ لبنانـيٍّ عن كلمةٍ في لغته فيستعيضَ عنها بالأَجنبية، بينما لا أَسهل من إِيصال المعنى في جملةٍ متّصلةٍ متواصلةٍ موصولةٍ بِــلُــغَـةٍ بسيطةٍ واحدة.
وتزيد من هذه التشوهات اللغوية ظاهرةُ وسائط التواصل الاجتماعي فتختلط في كلام مستخدميها جميعُ اللغات بتعابيرَ هجينةٍ يُـحَـمِّلونها لأَحرفٍ لاتينيةٍ طوّعوها ليُزاولوا دردشاتهم في لغة غَريـبَـةٍ أَين منها اللغةُ الخليطةُ – المعروفة بالــ”سابير” – كان التجار في القرون الوسطى يُضطرُّون إِلى استخدامها للتبادل التجاري مع تجّار من جنسياتٍ ولُغاتٍ أُخرى.
أَنا لستُ ضد اللغات الأَجنبية منفردةً والتكلم بها في لغةٍ واحدة، إنما ضد خلطها هجينةً ثلاث لغات في جملة واحدة كالقول الســــــــــــــائر: Hi… Kifaq? Ça va? يعيدنا استخدامُها إلى لغة التجار الرُحَّل في القرون الوسطى، فنعود إلى عصور ظلامية من اللغة والتعبير.
وإِنني أَعرف، والكثيرون ممن سافروا وعاينوا يعرفون، أَنّ الإِنكليزي لا ينسى تعابير إِنكليزية فيستعين لها باليابانية، والفرنسيَّ لا ينسى تعابير فرنسية فيستعين لها بالإِسبانية، والسويديَّ لا ينسى تعابير سويدية فيستعين لها بالعربية.
إِن وطنَ الإِنسان لغتُه، يحملها معه أَينما ارتحل، وكلُّ لغة أَجنبية يكتسبُها، غنى إِضافـيٌّ لا يَـحِلّ مكان اللغة الأُم، كما لا تعوّض أَيَّةُ بقعةٍ في الأَرض عن الأَرض الأُم. والمواطن العاديُّ الذي، في بلاده، يغتربُ عن لغته ليستعير لغةً أُخرى، يصبح خارج لغته ولا يدخل وطن اللغة الأُخرى، فيمسي لقيطًا في اللامكان.
وما دام في لبنان مَن ينطقون بِلُغَةٍ لقيطةٍ مقتنعين بأَنها لغةُ العصر السليمة – فيما هي مزيج من الفرنكولبنانية والأَنكلولبنانية والعربُولبنانية – فتركيزهم الذهنيّ لن يكون بعيدًا عن الانتماء يومًا إِلى التَــيَــهان في مجاهل اللامكان.
هـنـري زغـيـب