صَدَم اللبنانيين، فوق صدَماتهم الزبائلية وغضَبِهم من النُفايات، الصحافيُّ البريطاني نِكْ ﭘـاتُن وُوْلش (Nick Paton Walch) كبيرُ المراسلين الدوليين لمحطة “سي إِنْ إِنْ” (CNN) في تقريرِه من بيروت عن نهرٍ أَبيضَ ليس نهرَ لبَن ولا عسَل بل نهرُ زبائلَ أَبيضُ ممتدٌّ على كيلومترات في ضاحية بيروت. وجاء تقريرُ الـ”سي إِنْ إِنْ” في دقيقةٍ و48 ثانية صفعةً صاعقةً على وجه لبنان واللبنانيين، قدمَّت له مذيعةُ الأَخبار بأَنه “ثمرةُ حكومةٍ فاشلة يحكمُها الفساد”.
تقريرٌ بأَقلَّ من دقيقتين طرَحَ لبنان على مرأَى الملايين في العالَـم، زادَها ملايينَ أُخرى تناقُـلُها على مواقع التواصل الاجتماعي تَنَدُّرًا وشماتةً وبَـهْدَلةً.
أَقلُّ من دقيقتين لنشْر عارنا الحكوميّ على سطوح العالم عوضَ أَن يكون لنا في الـ”سي إِنْ إِنْ” تقريرٌ من دقيقتين عن جمال لبنان وطبيعة لبنان ومناخ لبنان والضيافة في لبنان وسياحته التي تحتفل من جبيل “عاصمة السياحة العربية لسنة 2016” بسلسلة أَنشطةٍ تدعو إِليها العربَ والأَجانبَ من الشرق والغرب، تَوازيًا مع احتفال “المنظمة العربية للسياحة” بـــــ”يوم السياحة العربي” في 25 شباط ذكرى مولد الرحّالة المغربي ابن بطوطة، مُطْلِقةً شريطًا من ثلاث دقائق عن طَـوافه 30 سنةً جال خلالها 120 أَلف كيلومتر في العالم بينها بلادُ الشام والجزيرةُ العربية، ودوَّن مشاهداتِه في كتابه “تحفةُ النُظّار في غرائب الأَمصار وعجائب الأَسفار” جاء فريدًا من نوعه في القرن الرابع عشر عن عالَـمٍ عربـيٍّ كم كان لبنانُ فيه لُؤْلُؤًا مُشِعًّا يقصدُه العربُ سياحةً واستشفاءً واطِّلابَ علْمٍ وثقافة، وها العالم العربي اليوم يُدير ظهرُه للبنان بسبب ممارساتٍ من بعض سياسيه تخلَع عنه الانتماءَ إِلى العالم العربي، وشتائمُها تُسبِّب انحسارَ معظم الدُوَل العربية عن أَرضه ودعوةَ رعاياها إِلى مغادرته، وارتفاعَ موجة القلق في قلوب لبنانيين يسترزقون في الدول العربية منذ سنوات طويلة.
كلُّ هذا الدَمارِ النفسيّ ولبنانُ العمار يُـهَـيِّـئُ احتفالاتٍ سياحيةً في مدينته التاريخية جبيل “عاصمة السياحة العربية” لهذا العام. فأَيَّ سياحةٍ نَــنْــشُـدُ ولم يَـعُد عندنا سيّاحٌ عربٌ ولا مواطنون عربٌ، وجاء تقريرُ الـ”سي إِنْ إِنْ” ليهشِّل كلَّ سائح أَجنبي عن التفكير في التوجُّه إِلى لبنان، فنصبحَ لا من الشرق ولا من الغرب.
دقيقتان في الــ”سي إِنْ إِنْ” عمّا في لبنان من زبائل العار، وثلاثُ دقائق عن ابن بطوطة وتُحفة النُظَّار.
دقيقتان عن لبنان الزبائل تدمِّران سِمعة وطن، وثلاثُ دقائق عن رحّالةٍ تعمّر مجد وطن.
وبين دقيقتين وثلاث دقائق يقفُ لبنانُ اليوم باحثًا عن دقيقةٍ واحدةٍ يُطِلُّ منها ابنُ بطوطة جديد يَجمع العرب من جديد إِلى “تحفة نُظَّار” جديد يُعيده إِلى وجهه الحقيقي: وَطنًا مُعافًى من سياسةٍ فاشلة أَدَّت به إِلى أَن تتحوَّل فيه أَنهارُ اللبن والعسل إِلى أَنهار زبائل تَــبُــثُّ السرطانات في صدْر شعبه الـمُعتادِ طيلةَ عُصُورٍ أَن يكون صدرُه واحةَ جمالٍ وعافيةٍ وعنفوان.