نقطة على الحرف- الحلقة 1229
حكومةٌ على صورة الوطن
الأَربعاء 11 تـشرين الثاني 2015

        لم تكَد تهدأُ مفاجأَةُ تعيين رئيسِ حكومةٍ شابٍّ في كندا حتى طلَع جوستان ترودو (44 سنة) بمفاجأَةٍ أُخرى: تَشكيلُهُ حكومةً فدراليةً من ثلاثين وزيراً، نصفُهم سيّدات، وبين الخمسَ عشرةَ منهُنّ خمسٌ هـنَّ وزيراتُ دعْمٍ لخمسةِ وزراء، كاملاتُ الصلاحيّة مثلُهم، فأَتمَّ بذلك تحقيقَه المناصفةَ رجالاً ونساءً كما كان أَعلنَ في حملته الانتخابية رئيساً للحزب الليبرالي.

          وبذلك شكَّل ترودو حكومةً متكافئةً كلِّياً هي الأُولى من نوعها في تاريخ كندا، وحقَّق أَولَ حكومةٍ في العالم كاملةِ التَـنَـوُّع. وحين سأَلَتْه صحافيةٌ عن غايته من هذه المناصفةِ الكاملةِ تماماً بين الرجال والنساء، أَجاب بِبَلاغة صاعِقة: “لأَننا في العام 2015″، فتردَّد جوابُه عنواناً عريضاً أَولَ في الـ”نيويورك تايمز” ومعظَمِ الصحُف العالمية الكبرى أَنَّ “هذه الحكومة جاءت خارجَ العاديّ والمأْلوف في شكْل الحكومات”.

          ولم يَكتفِ ترودو بتلك المفاجآت بل واصلَ جديدَه باختياره لحكومتِه وزيراً رائدَ فضاء، وزيرةً من صفوف اللاجئين، وزيراً رُباعيَّ الشلَل في أَطرافه الأَربعة، وزيراً من طائفة السِـيـخ الهندية بدأَ حياتَه شُرطياً، مُسنداً إِليهم حقائبَ رئيسةً، بينها العدلُ والدفاع، ومسنداً وزارةَ السياحة والمشاريع الصغرى إِلى الشابة الهندية الجذور بارديش شاغير ذات الـ34 ربيعاً.

          في أَول مؤتمرٍ صحافي عقَدَه بعد أَدائِه اليمينَ أَمام حاكم كندا العام في أُتَوَى، أَعلنَ اعتزازَه بتشكيلِه “حكومةً على صورة كندا الغنيَّةِ التَنَوُّع في صفوف شعبها، ستعمل في خدمة الشعب، شعارُها احترامُ القيَم الكنديّة ضمن مبدأَي الانفتاح والشفافيّة كي تكسَب ثقة الكنديـين”، وقال بأَنّ في صدارة أَولوياته “الأَولادَ الكنديين لأَنهم يُـمَــثِّــلون مستقبل البلاد”.

          بعد أَيام، في الرابع من كانون الأَول المقبل، سيقفُ رئيسُ الحكومة الشابُّ جوستان ترودو في افتتاحِ مجلس العموم دورتَه السنوية، ويُلْقي “خطابَ العرش” المعروف بـ”البيان الوزاري”، مُعلناً فيه خطوطَ سياسته في حكومةٍ فريدةٍ شَكَّلَها لتخْدُم الشعب، كلَّ الشعب، أَياً تكن أُصُولُهُ وفروعُهُ ومناطقُه وهوياتٌ تجمَّعَت وانصهَرت جميعُها بالولاء لكندا أَرضاً وسماءً ووطناً يُساوي بين جميع أَبنائه.

          هذه دولةٌ كبرى تُطْلِعُ حكومةً تُـمثِّل شعبَ كندا لا أَحزابَها ولا تياراتِها ولا طوائفَها ولا محاصصاتِ سياسيِّـيها أَزلاماً ومحاسيب.

          هذه دولةٌ كبرى تعلِّم الدُولَ الأُخرى، صُغراها وكُبراها، كيف يكونُ الحُكْمُ صارماً وعادِلاً معاً، بـحكومةِ اختصاصيين وخُبراء يُـطــبِّــقون القانون على الجميع كي ينالَ الجميعُ حقوقَهم فيُؤَدُّوا راضين واجباتِهم تجاهَ دولتهم لأَنها تحميهم، سَواسيةً، مواطنين متعادِلين يَستشرفون مستقبلَ أَولادِهم ووطنِهم كما يَجدُرُ أَن يُستَشْرَفَ المستقبل.