حرفٌ من كتاب- الحلقة 238
الـمُعجَمُ النيابيّ اللبنانيّ”
الأَحـد 13 أيلول 2015

Dictionnaire Parlementaire          فيما يَشهدُ المجلسُ النيابـيُّ اليوم فترةً حَرجَة من تاريخه الحديث، بين تَعَطُّل جلساته التشريعية والانتخابية ولقاءاته الحوارية المثيرةِ جدَلاً بين جدواها ونافلها، ويشهدُ في الشارع غضَباً يُحاصره فَـيُعلي حوله أَسلاكاً شائكةً تَحميه من سَعير الغضب، نَعود إِلى ماضٍ مُشرِّفٍ لهذا المجلس كانت له فيه مواقفُ ومواقعُ وأَحداثُ عَمَّرت برجاله الكبار ركائزَ لبنان المعاصر تشريعاً وحُضوراً وبِناءً لبنانياً ناهضَ العثمانيين وقاوَمَ الانتداب وأَسَّس منذ الاستقلال لبناناً لبنانيّاً قائماً على شَرَف التضحية من أَجل الوطن وأَبنائه ومستقبل أَجياله.

          هذا ما يظهر في موسوعة “الـمُعجَم النيابيّ اللبنانيّ، أَصدرَها سنة 2007 الأَمينُ العام الحالي للمجلس عدنان ضاهر والـمُدير العام لشؤُون جلساته واللجان الدكتور رياض غنّام، جُزءاً واحداً ضخماً في مجلَّدٍ من 550 صفحةً حجماً موسوعياً كبيراً دقيقَ الأَرقام والمعلومات والتواريخ، وسِفْراً غَنيّاً، سيرةً وتراجمَ، لأَعضاء مجالس الإِدارة في متصرفية جبل لبنان منذ أَول مجلس (16 أَيلول 1861)، ولأَعضاء المجالس النيابية منذ أَول مجلس سنة 1920 بعد 22 يوماً على إِعلان “دولة لبنان الكبير”.

          طيلةَ أَربع سنواتٍ، تقميشاً وتدقيقاً ومُـراجعاتٍ وعودةً إِلى المحفوظات والوثائق العتيقة، تمكَّن المؤلفان من إِثبات 776 نائباً في تقسيمٍ واضح يبدأُ من صورة النائب، ويتسلسلُ من ولادته مكاناً وتاريخاً، إِلى تَلَقّيه العلومَ في مدارسَ ابتدائيةٍ وتكميليةٍ وثانويةٍ وجامعاتٍ محليةٍ وأَجنبية، فعَمَلِه قبل النيابة، فتاريخِ دوراتٍ خدَمَ فيها، والأَقضية التي مَثَّلَها، ودورِه في لجان نيابية كان عضواً فيها، ووزاراتٍ تولاّها (إِن كان عضواً في حكومات، مع تاريخ تعيينه فيها واسمِ رئيس الحكومة)، وأَبرزِ إِنجازاته ومواقفه في الـﭙـرلُمان، وأَنشطتِه خارج القبّة النيابية محاضراتٍ وندواتٍ ومؤلفات، وانتمائِه الحزبيّ والكتلةِ النيابية التي كان ينتمي إِليها، ولم يُغفِل المؤَلفان لمحةً عن حياتِه العائلية زوجةً وأَولاداً، وتنتهي النبذة، عند الاقتضاء، بتاريخ وفاته.

          لوضع هذه الخارطة من المعلومات عاد المؤَلِّفان إِلى الوثائق النيابية للتَّـثَـبُّت من الدورات النيابية لكل نائِب، وإِلى المراسيم والبيانات الوزارية ولوائح اللجان في محاضر الجلسات العامة منذ 1922، فجاء عمَلُهما موثَّقاً دقيقاً علْمياً يعاد إِليه في ثقة وتَــثَــبُّــت.

          ويعترف الـمؤلفان أَنّ من النواب مَن لم يتركوا مِن أَثرٍ سوى أَسمائهم، فكانوا أَرقاماً في عدَد، خصوصاً إِبّان مجالس الإِدارة حين كان معيارُ النيابة وجاهةً اجتماعية أَو اتساعَ أَملاكٍ عقارية، وإِبان الانتداب كان المفوّض السامي يعيّن النواب وفْق ولائهم للسياسة الفرنسية. كما يعترفان بصدمتهِما من أَن زوجاتِ بعض النواب أَو أَبناءَهم أَو أَحفادَهم لا يعرفون شيئاً عن النائب تاريخاً ومعلومات. وبالـمقابل يشهَد الـمؤَلِّفان لحضور قاماتٍ نيابيةٍ عنيدةٍ في انتزاع مبادرات من السلطة الانتدابية أَو الاستقلالية، ومعارضاتٍ واعتراضاتٍ جريئةً، معبِّرين فعلاً عن رغبة الشعب الذي انتخبهم.

          “الـمُعجَمُ النيابيّ اللبنانيّ” لـعدنان ضاهر ورياض غنّام، خارطة رصينة لــــ144 سنةً من تاريخ لبنان الحديث، بين أَوّل مجلس إِدارة سنة 1861 ومجلس نواب 2005، تؤَرِّخ تلك المرحلةَ وتوثِّقُها في موضوعيةٍ علْميةٍ ليسَت تاريخاً ولا بيوغرافيا بل قاموسُ أَعلامِ سياسةٍ مرُّوا في لبنان، منهم ما زالوا -رغم غيابهم- متوهِّجين في الذّاكرة، وآخرون غابوا في النسيان ولم يسجِّلوا غيرَ أَسمائهم الباردة في دفاتر الوطن.