من أَعماق “الفيغارو” وصلَـتْـنا صرخةُ صلاح ستيتـيّـه الغاضبة. في مقال يحمل عنواناً حادّاً: “أَخجَل”، وبـإِسلامه السُّـنّــيّ النقيّ كتب ثورتَه على “الجهاديين” وسلوكِهم الـمخْزي مع المسيحيين في الشرق.
صرَخَ في وجوههم أَنّ ما يفعلونه يُخالفُ تعاليم الدين، وأَوردَ لهم من سُوَر القرآن الكريم آياتٍ تُبيِّـن خطَـلَـهم وضَلالهم وفحْش ما يرتكبونَه ضدّ الله والإِنسان والقرآن.
ويأْخذ عليهم اختزال الله بهم وادّعاءَهم النطْق باسمِه وتنفيذَ شريعته بذبْح مَن كانوا، قبلهم بخمسة قرون، شُهوداً للحقيقة على هَدْي كلمة الله الذي، في البدء، كان “الكلمة”.
ويوردُ لهم آياتٍ قرآنيةً تحظّر عليهم ما يفعلونه باسم الله والدين والنبيّ ما يَنهَى عنه الله والدين والنبي. ويدعوهُم، وهُم العرَب، إِلى التذَكُّر أَنّ اللغة العربية إِن كانت اليوم بهذا التوهُّج الخلاَّق فلأَن نهايةَ القرن التاسع عشر مَدينةٌ للبساتنة وشغْلهم على القواميس، ولليازجيين وشغْلهم على خصوبة العربية، ويذكِّرُهم بأَن جبران سمّى “المصطفى” نبيَّ كتابه المبشِّر بالمحبة والعدل وكرامة الإِنسان، وبأَن هؤلاء المبدعين جميعهم من لبنان، و”من طائفةٍ رائعةٍ روحيةٍ وثقافيةٍ في قلب العالم العربي”.
ويتوجَّه هذا المسْلم النقيّ إِلى المسيحيين فيرجُوهم – “راكعاً إِذا اقتضى الأَمر” – أَلاَّ يَهْجُروا بيوتَهم ولا بلدانهم ولا الشرق، فــــ”ماذا نَفعل نحن المسلمين بدُون حضورٍ لهم هو لجميع شعوب المنطقة رمزُ التطوُّر على جميع المستويات؟” (أَين المفكِّرون المسلمون وحتى المسيحيون لـملاقاة هذه الصرخة؟).
وبقامته الأَدبية العالية يختم صلاح ستيتيّه: “أَخجَل أَن يكون عليَّ التذكيرُ بكلّ هذا وهو من الـمُسَـلَّمات. أَخجلُ مع جميع الذين مثلي يَخجَلون”. ولا بُدّ أَنّ مثلَه مُسْلمين كثيرين مُــتَــنَــوِّرين يرفضون ما يجري على اسم الدين. فالإِسلامُ براءٌ من القَتَلَة المأْجورين، والإِسلامُ لا يُجيز قتْل الآمنين ولا التمثيلَ بالجثث على هذا الشكل البعيد عن الإِنسانية. الكثيرون، على مذهب صلاح ستيتيّه، يَخجلون من الارتكابات لا من الانتماء، فلو خجِلوا منه لأَكّدوا أَن المرتكِبين يُـمثِّـلون الإِسلام.
الخجَل تَبَرُّؤاً من الدين عار، كالخجَل تَبَرُّؤاً من الوطن. إِذا ارتكب مسيحيٌّ معصيةً لا أَخجَل بِديني وأَتبرَّأُ منه، وإِذا ارتكب لبنانـيٌّ جريمةً لا أَخجَل بلبنانيّتي وأَتبرَّأُ منها.
المقصودُ الخبيث: إِيصالُ أَنّ الإِسلام هو ما يجري، وهو أَبداً ليس ما يَجري بل هو عكسُ ما يَجري.
وما ثار عليه صلاح ستيتيّه مِثالٌ للمُسْلم الحقيقيّ الذي يعرف أَنّ العبادةَ الحقيقيةَ عناقُ “لا إِلـهَ إِلاّ الله” و”نُؤْمِن بــإِلهٍ واحدٍ آبٍ ضابطٍ الكُلّ”.
ولا خلاصَ لأَهل الشرق إِلاّ بهذا العناق.