أزرار- الحلقة 896
من الصُّحُف المحتجِبة كي لا نَحجُبَ الوطن
السبت 13 حزيران 2015

        مع كل حزيران، في موسم احتفال الجامعات بتوزيع الشهادات على دفعات جديدة من طلاّبها المتخرجين، يعود إِلَـيَّ أَمرٌ يشغلني في كل موسم: مواضيع الأَطاريح الجامعية.

          أُبادر فوراً إِلى احترامي مواضيعَ يختارها طلاّب الماجستير والدكتوراه عن أَعلامٍ أَو نَواحٍ ينتقونها من نتاج أَديب أَو علَم، أَو يتناولون عَلَماً غَربياً وعَلَماً عربياً في سياق دراسة أَكاديمية من الأَدب المقارَن.

          وفي بالي ما صدر من مواضيع عن أَدبنا اللبناني أَعلاماً ونتاجاً عاماً أَو فردياً لكِتاب مُعيَّن من هذا النتاج، خصوصاً أَعلامنا الذين باتوا مكرّسين وصدرت عنهم كتُبٌ وأَطاريحُ ودراساتٌ استوفت ما لديهم من النواحي والمناحي.

          غير أَنني، من اشتغالي على تراثنا اللبناني، ومن اطّلاعي على مجموعات كاملة أَو شبه كاملة لصحُف ومجلات محتجبة من ثلاثينات أَو أَربعينات القرن الماضي، يتبيّن لي الاهمال اللاحق بها وبما فيها من كُنوزٍ تنتظر من يَكشف النسيان عن مواضيعها فترتئذٍ، فيتبيّن الوضع الأَدبي والصحافي والسياسي والاجتماعي في تلك الحقَب المتتالية من تاريخ لبنان الحديث.

          وفي العودة إِليها اكتشافُ رسم بياني لـمسار الحياة السياسية والفكرية والثقافية، ولدور الصحافة في رصد المواضيع ومقاربتها ومعالجتها، ولـحملات عنيفة كان أَصحابُ تلك الصحف والمجلات، وفي معظمهم أُدباء وشُعراء ومثقفون كبار، يشنُّونها على الانتداب الفرنسي أَو الحكومة المحلية أَو بعض رجال الحكم من نواب أَو وزراء ظهر منهم تقصير في أَمر يَهُمّ الشعب أَو الوطن.

          وسيبدو للدارسين كم انّ وقائع كثيرةً حدثَت قبل عقود لا تزال تَحدُث اليوم، وكم انّ اعوجاجاً كان سائداً في تلك الأَيام لا يزال سائداً حتى اليوم، وكم انّ حالات سياسية “عشائرية” كانت تتحكَّم بلبنان تلك الأَيام لا تزال تتحكّم به حتى اليوم، فكأَنّ القرار بـبناء الدولة كان مفقوداً منذ تلك الأَيام ولا يزال مستمراً من الأَجداد إِلى أَبنائهم إِلى أَحفادهم الذين بَلَغونا اليوم ليواصلوا سلسلة العائلة بتوريث أَبنائهم على أَيامهم كي يضمنوا بقاءهم بعد غيابهم.

          أُكرّر: في صحُفنا المحتجبة كنوزٌ سياسية وسوسيولوجية وثقافية وأَدبية تهمّ طلاب الأَدب والعلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واختصاصات جامعية أُخرى لو يَعود إِليها طلابنا في صفحات تلك الصحف، سيكتشفون أَنّ ما نَـمُر به اليوم ضالعٌ في الوراثة السياسية منذ تلك الأَيام، ولا يبدو أَننا سنشفى منه في أَيامنا وربما لا في أَيام مَن يولَدون اليوم على أَمل أَن يكبَروا في دولة يَحكُمُها رجال دولة لا أَولياء مزرعة وعشيرة.