فيما أَرضُ اليَمَن تَغرق منذ أَشهر بدماءِ أَبنائها سُكَّاناً وثوَّاراً…
وفيما تتجمَّع على أَرض اليَمَن دوَلٌ بدﭘــلوماسييها وسياسييها وحكَّامها وعسكرييها وطائراتها وأَسلحتها أَرضاً وجَوّاً وجنوداً ومقاتلين…
وفيما تنغلق أَرض اليَمَن عَدَناً وصنعاءَ وتعزاً وقاتاً وأَسواقاً على الداخلين والخارجين والـمقْبلين والهاربين…
تَخرج من اليَمَن رؤُوسُ البطيخ الأَحمر تتوزَّع في الأَسواق خضراءَ من خارج نَضِرةً مدوّرةً صغيرة، وحمراءَ من داخل عذبةً لذيذةً ناضحة، تشتهيها العيون طازجة، تتناولُها الأَيدي شهيّة، وتتذوَّقُها الأَفواه مادحةً أَرضَها، متجاوزةً مأْساة أَرضِها وشعبِها، ناسيةً مواقف من دولتِها انتصاراً لها أَو اعتراضاً عليها.
فمُؤَيِّدو نظام الحُكْم في اليَمَن يتمتَّعون ببطيخِه، ومؤَيِّدو حوثيّـيه يتمتَّعون ببطيخِه، تتساوى بينهم متعةُ الـمَذاق، وتُساوي بينهم جميعاً أَرضُ اليَمَن السعيدِ ببطيخِه والمنكوبِ بما يجري على أَرضه من تجاذُب القوى الخارجية وتَطاحُن القوى الداخلية، وبما يسبب هذان التجاذُب والتطاحُن من هجرةٍ داخلية أَو خارجية.
وحدها الأَرضُ لا تُهاجِر. تَبقى لأَبنائها لأَنهم جميعَهم أَبناؤُها، ولا تَحجُب عنهم خيراتها ولا عمَّن يَرغبون في هذه الخيرات.
ذلك أَنّ الأُمَّ لا تُفرِّق بين أَبنائها: الأَوفياء منهم والعَقُوقين، الموالين منهم والمستزلـمين، الدافعين منهم والمدفوعين، الـمخْلصين منهم والخائنين، تماماً كما رؤُوسُ البطيخ الأَحمر من الأَرض الطيّبة تتوزَّع على أَبناء الأَرض والآكلين ثمارَ الأَرض، لا تحرم أَحداً ولا تنحجِب عن مكان.
في صورةٍ إِعلانيةٍ وصلتْني عن البطيخ اليَمَني الأَحمر، رفوفٌ مشقُوعةٌ من صناديق البطيخ، أَمامها عاملٌ يمني زَنَّــرَ وسْطه بالخنجر اليَمَني الفولكلوري التقليدي، ذكَّرني بالعبارة الشهيرة: “عَ السكين يا بطّيخ”، وأَخذتْني هذه العبارة إِلى السكين.
فهذه السكين ذاتُها تَـنحر رؤُوس البطيخ بأَيدي العمّال الطيّبين والمستهلكين الطيّبين، وتنحر رؤُوس الناس بأَيدي المجرمين المأْجورين.
بالسكِّين الأُولى تَسيل ماءُ البطيخ عذبةً لذيذةً تتلمَّظ بها الشفاه مَذاقاً، وبالسكِّين الأُخرى تَسيل دماءُ المخطوفين والرهائن على أَرضٍ تتخضَّب بأَحمر البراءة المذبوحة.
هي الأَرضُ ذاتُها، وهي السكّين ذاتُها.
أَرضٌ خصيبةٌ بالخير والرجال معاً، وسكينٌ حادَّة بالخير والشر معاً.
تبقى اليدُ التي تُـخْصبُ الأَرض أَو تُـحرقُها، وتبقى السكّين التي تُسيل أَحمر البطيخ أَو دماءَ الإِنسان.
وبين يَــدٍ ويَــدٍ، يستوطن الفرق بين أَن تُزهرَ الأَصابعُ الخيِّرة، أَو أَن تُـجْرِمَ الأَصابعُ الشريرة.