نقطة على الحرف”صوت لبنان” – الحلقة 1199
النضارة والبشاعة بين عَمود بعلبك وعَمود الزوق
الأَربعاء 15 نيسان 2015

        في مأْلوف الرؤْيةِ عادةً نِـظْرتان: أُولى نضِرة والأُخرى بشِعة.

          وصْفُ الأَخيرة أَنها أَدمنَت رؤْية البشاعة حتى تعوّدَتْها فلَم تَعُد ترى بشاعتَها.

          ووصْفُ الأُولى أَنها اعتادت على رؤْية النضارة والجمال فبات أَقَـلُّ ما دونَهما يؤْذيها ويَجرحُ نضارتَها. من هنا القول إِن نِظرة الأَطفال دائماً نَضِرة لأَنها لـم تَــرَ البشاعة بعد، فتُشَبَّه الحالةُ عادةً بنضارة الأَطفال.

          وهي هذه عادةُ العادةِ إِجمالاً، وتنسحب على السمْع كذلك. فالساكنُ قرب نهرٍ لا يعود يَسمعُ النهر جارياً كما يسمعُه زائِــرٌ عابــر، ولا يَعود يَسمعُ دقاتِ الساعة في البيت سكانُ البيت كما يسمعها زائِــرٌ عابــر، ومَن اعتاد أَن يَسمَعَ أُغنيةً يُحبها لا يعود ينتبه إِلى شِعرية كلماتِها أَو عذوبةِ لحنها، كمَن يَسمع كلماتِها بدون اللحن أَو كمَن يَسمع موسيقى اللحن بدون الكلمات والصوتِ المؤَدّي.

          وهذا ينطبق على من اعتادَ أَن يرى هَيبة جبل صنين أَو جمالَ هياكل بعلبك فلا يعود يتأَمّل الجمالَ فيهما كمَن يرى صنين للمرة الأُولى أَو كسائحٍ يَزور بعلبك ويتملّى آثارها الأُعجوبية.

          أَقول هذا عن العين النضِرة التي تؤَاخي الجمال، كما أَقولُه عن العين التي اعتادَت البشاعة، وأُفكِّر بأَهل منطقة الناعمة الذين أَلِفُوا رؤْية المطمر المؤْذي بيئياً وصحياً، وبأَهل زوق مكايل وساحل كسروان الذين اعتادوا منذ ثلاثين سنةً رؤْيةَ الدخان السرطانـيّ القاتل ينبعثُ من دواخين معمل الزوق الحراري سُحُباً سوداءَ كثيفةً تملأُ فضاء المنطقة ساحلاً ووسطاً وتتمطّى فوق البيوت، ويتنشَّقها مع أَهالي المنطقة مَن يعبُرون الأُوتوستراد الساحليّ ذَهاباً صوب بــيروت أَو إِياباً صوب طرابلس فتلفحُهم سمومُ دخانِ الزوق وتستوطنُ رِئاتهم وتسبِّب لاحقاً ما تسبِّبه من كوارث صحية.

          من هنا أَن فقدان المنظَر الجميل يَصدم النظرَ الـمُعتاد عليه، عكسَ المنظَر البشِع الذي غيابُه يريح النظرَ الـمُعتادَ على بشاعته.

          ومن هنا النداءُ الـمُلِحّ المتواصل إِلى الدولة، لا كي تُبقي على المناظر الجميلة فهي ليست من نتاج عبقريتها، بل كي تُزيلَ المناظر البشعة: مطْمراً طاعونياً أَو نُفاياتٍ جرثوميةً أَو دخاناً سَرَطانياً، فتنقِذَ العينَ البشِعةَ التي اعتادت البشاعة، وتُنَحّي العين النضرة عن رؤْية البشاعة لأَن النضارة اعتادت الجمال وهي أَول من تَصدُمها رؤْية البشاعة.

          هذا هو المعيار في مستوى الدولة: بين أَن تكونَ عينُها على نضارةٍ مستدامة، أَو أَن تظلَّ عينُها ترى البشاعة وتتركُها حتى تُدمنَها وتعتادَ عليها.