حرفٌ من كتاب- الحلقة 203
كتاب “”ثقافات ولا حُدود – من بيروت إِلى واشنطن”- مَيّ الريحاني
الأَحـد 11 كانون الثاني 2015

May Rihani

            الصبيّةُ التي غادرَت شُرفةَ “الفريكة” وبيتَها الوالديَّ في شارع الحمراء، وأَخذتْها ظروفُ عملِها إِلى واشنطن، ما زال في قلبها نُورٌ من شُرفة “الفريكة”، وفي ذاكرتِها حنانٌ من بيت شارع الحمراء.

          وظلَّت سنواتٍ كاتمةً في قلبها وذاكرتِها تلك اللحظات النوستالجيّة، حتى باحت بها مذكّراتٍ على الورق في كتابها الجديد ثقافات ولا حُدود من بيروت إِلى واشنطن (Cultures without borders – From Beirut to Washington, D.C.)، صدَر بالإِنكليزية قَبل أَيامٍ عن منشورات “AuthorHouse” الأَميركية في 522 صفحة قَطْعاً كَبيراً من 39 فصلاً أُوتوبيوغرافياً، تُطِلُّ منه بين باقةِ صفحاتٍ وأُخرى صوَرٌ من حياة الـمُؤَلِّفة منذ طفولتها حتى أَحدَث أَسفارها رحَّالةً رسوليةً باحثةً عن تعليم المرأَة في أَكثر مجتمعات الدنيا فَقراً وبدائيةً وجَهْلَ حقوق.

          كأَنما قَدَرُها أَن تكون كَعَمِّها أَمين الريحاني: جَوَّابةَ بُلدانٍ ومُدُن وعواصم، هو كان رسولَ خيرٍ للملوك والرؤَساء جمَع بينهم يتوسَّط ويُؤَالف، وهي جابت 40 بلداً عاينَت فيها ثقافاتٍ وحضاراتٍ، واكتشفَت أَنَّ ما يجمَع بينها أَكثرُ مما يفَرِّقُها، وأَنَّ مَن يعي تلك العناصرَ الجامعةَ يَــبْــلُــغُ أَن يكونَ مواطناً عالـمياً يَكُنُّ الوفاء لِما اكتسب، يُبقي الولاءَ لوطنه الأَوّل، ويفهم أَنَّ قبول الآخر بحضارته وثقافته يساعدُ في إِبعاد الحروب وفي تقريب السلام.

          يرسُم الكتاب خطاً بليغاً لتجربة المؤَلّفة في الدُّوَل النامية، بتأْسيس برامجَ تربويةٍ لتعليم المرأَة وتحويلِها قوةً اجتماعيةً ساطعةً، بتعزيز حقوقها وتأْمين تَطوُّرها، وإِسهامِها في تَحَوُّل مجتمعها نحو الأَرفع، حتى يصبح فاعلاً بين سائِر الدول وباقي الشعوب.

          لأَجل هذه الرسالة عمِلَتْ في دول أَفريقية وآسيوية ومتوسطية تستلَّ قيَمَها وتُعيدُها إِلى شعوبها برامجَ للمرأَة تُحَسِّن وضْعَها التربويّ والتعليميّ. ذلك أَنّ هذه الشاعرةَ اللبنانية نذَرَت رسالةَ حياتها لتعليم الفتاة وتوعية المرأَة وصَقْل دورِهما في المجتمع، وكلُّ ذلك من حبِّها الحياةَ والجمالَ أَخذَتْهُما معها من جمال لبنان ورسالتِه وراحَت تَــنْــثُــرُهُـما، حيثما حلّت، على صورة وطنِها لبنان.

          في مطلع الكتاب كتَبَ الدكتور سهيل بُشروئِي أَنَّ صاحبتَه، في إِيمانها بـ”الـمُواطن العالمي”، نقَضَتْ نظرية “صدام الشعوب والحضارات” وأَثبَتَتْ إِمكانَ تَجاوُزِ الحدود، كلِّ حدود، ، بُلُوغاً إِلى الآخَر، كلِّ آخَر، وإِقامةِ السلام معه بواسطة التربية والحوار.

          إِهداءُ الكتاب “إِلى صبايا أَفريقيا وآسيا والشرق الأَوسط، الـمُناضِلاتِ لبلُوغ حَقِّهِنَّ في التعلُّم والـمُثْرياتِ العالَـمَ بِنِضالِهِنَّ الـمُثابِر”. وفي الإِهداء ذاته: “إِلى والدَيَّ مُعَـلِّـمَـيَّ أَلْبرت ولورين الريحاني، مَن عَلَّماني أَنَّ خِدمةَ الآخرين يُـنـبـوعُ السعادة في الحياة”.

          وإِخالُ أَلْبرت ولورين الريحاني، مِن حيثُ هما الآنَ في العالَـم الآخَر، مغتبطَين أَنهما غادرا هذا العالَم تاركَيْن فيه ابنةً يَفخَرُ بها وطنُها الأَوّل ويعْتَزُّ بها الوطنُ العالَـمِيُّ الذي تَخدُمُه، وها اليومَ كتابُ مذكِّراتها ثقافات ولا حُدود من بيروت إِلى واشنطنيَشهَد لوفاءِ صَــبِــيَّـــةٍ غادرَت شُرفةَ “الفريكة” وبيتَها الوالديَّ في شارع الحمراء، وما زال في قلبِها نُـورٌ من شُرفة “الفريكة”، وفي ذاكرتِها حنانٌ من بيت شارع الحمراء.

          صَــبِـــيَّـــةٌ من لبنان، اسمُها مَيّ الريحاني.