نقطة على الحرف- الحلقة 1171
همزةُ القَطْع وهمزةُ الوصْل
الأَربعاء 1 تشرين الأَوّل 2014

 

        كأَنَّه، هذا العصر اللبناني الحالي، موسُومٌ بهمزة القَطْع. ويَمضي العَصر والعُمر والقَهر من قَطْع إِلى قَطْع.

          كأَنْ لا همزةَ عندنا إِلاّ همزةُ القَطْع يتيمةً لا تَحُطّ مكانَها مَرةً همزةُ وَصْل.

          فعندنا قَطْعُ الطرقات: ينهض المواطنون إِلى أَعمالهم غيرَ ضامنين أَن يَبْلُغوا وُجُهاتهم لأَنّ أَيَّ اعتراضٍ على أَيِّ حَدَثٍ يُوْدِي بالمعترضين إِلى قَطْع الطريق، مع التفهُّم طبعاً لأَحقّيّة بعض هؤُلاء في مطالبهم الملحّة.

          وعندنا قَطْعُ الكهرباء: منذُ عشرين عاماً لم تَعُدْ عندنا حرب، وعند غيرنا اندلعَت حروبٌ وانتهَت وعادت إِليهم الكهرباء، ونحن لا نزال ننتقل من حكومةٍ إِلى حكومة، ومن وعدٍ إِلى وعد، ومن عُذْرٍ إِلى عُذْر، والمواطنُ رازح تحت تَسَلُّطَين: تسلُّط الحكومات المولَّدة وتَسَلُّط أَصحاب المولِّدات.

          وعندنا قَطْعُ المياه: كلما شحَّت المتساقطاتُ من السماء سقَطَت على الأَرض الكارثة وبكَت الدولةُ شكوىً وتَظلُّماً، ووقعَ المواطنُ تحت تَسَلُّطَين: تَسَلُّط عجز الدولة عن الحلول الشارقة، وتَسَلُّط أَصحاب الصهاريج بالحلول الحارقة.

          وعندنا قَطْعُ الإِرسال: في قواعد الاتصال الإِلكتروني عندنا، أَلاّ يتمتّع المواطن بإِكمال مُخابرتِه من أَوّل مرّة، وعليه أَن يَستعدَّ سلَفاً للاتصال أَكثر من مرّة لكُل اتصال. والأَعذار تَتَوالى والحُجَجُ تَتَتَالى والصرخاتُ تَتَعالى، والمواطنُ واقعٌ تحت تَسَلُّط مسؤُولين ضَيَّفُوه الـ4G  وهو لا يزال يتخبّط بأقلّ من G واحدة تعادل أَقلَّ ما في ضمير الشركات والمسؤُولين من وُعُود.

          وعندنا قَطْعُ الأَمَل: طُلّابـنا يتخرّجون ويندارون على أَبواب السفارات يستَجْدُون تأْشيرات دخولٍ إِلى بلدانٍ فيها همزةُ وَصْل لمستقبلهم لأَنّ في بلادهم همزةَ قَطْعٍ تقَطْع أَملَهم بالمستقبل.

          وعندنا قَطْعُ رئاسة الجمهورية: الذين يقاطعون جلسات انتخاب الرئيس يقَطْعون الطريق عليه وعلى الرئاسة، حتى ينفِّذَ بواسطتهم سيّدُ الــ”ريموت كونترول” ما يريد لمصير وطننا أَن يكونَ في هذه الفترة اللاهبة الحارقة اللعينة من حاضِره البائس.

          وإِذا كان قطْعُ الأَرزاق من قطْع الأَعناق، فنحن عندنا الاثنان معاً:

عندنا قَطْعُ الأَرزاق: كلما اقتربَت نهاية الشهر تصاعَدت أَصوات المسؤُولين في الدوائر المسؤُولة تَتَباكى على عجْز خزينة الدولة عن دفْع الرواتب، وعن تأْمين مواردَ لسلسلة الرُّتَب والرواتب، فيقعُ المواطنُ تحت تَسَلُّط عذاب الدولة التي تبتكر رثاءَ مصيرها…

          … وعندنا قَطْعُ الأَعناق: الحجّاجون الجُدُد يُطبِّـقون ميدانياً عبارةَ جدِّهم الأَعلى الحَجّاج بن يوسف الثّقفي: “أَرى رُؤُوساً أَينَعَتْ وحانَ قطافُها وإِني لَصاحِبُها، وأَرى الدَّمَ يترقرقُ بين العمائم واللحى”. وها نحن اليوم نَشهدُ قَطْعَ الرُّؤُوس والأَعناق، ضحاياها جنودٌ من جيشنا ما زالوا مخطوفين مَرَّتين: أُولى لدى خاطفيهم، والأُخرى لدى تَـمَـطّـي الإِجراءات السُّلَحْفَاتية.

          عجيبٌ هذا العصر اللبناني: تَجتاحُ همزةُ القَطْع طرقاتِه وكهرباءَه ومياهَه ورئاستَه وإِرسالَه وعِرسالَه وأَرزاقَ موظَّفيه وأَعناقَ أَبنائِه، وليس في الأُفق همزةُ وَصْلٍ واحدةٌ تُنقِذُ بعضَ هذا القَطْع القاطع المقْطوع نقْطَعُه كلّ يوم على عمرِنا القَطيع وعصرِنا الصريع.

          والأَيامُ تَمضي، والسنواتُ تَمضي، والعُمْر يَمضي، واللبنانِـيُّ يَبحث عن همزةِ وَصْلٍ تَصِلُ يومَه بِغَدِه فلا يَجِدُ أَمامه إِلاّ همزةَ القَطْع، فيقَطْعُ الوَصْل بالوطن، ويقَطَعُ الأَملَ بالمستقبل، وإِلى أَن يَثْبُتَ له العكسُ يقَطْع عَهداً أَلاّ يَثِقَ بِوُعُودِ أَحَدٍ من كلّ هذا الطَّقْم الحاكِم.