“دامغةٌ هي الإِثباتات التي تعيّن موقع قانا الجليل في جنوب لبنان، سنداً إِلى مؤَرّخ الكنيسة الأُسقف أُوزاﭘـيوس (القرن الثالث)، وإِلى القديس جيروم (القرن الرابع)، وسنداً إِلى نصوص الأَناجيل وآثار المسيحيين الأُوَل محفورةً على الصخور في جوار قانا الجليل”.
بهذه العبارة المسؤُولة من بطريرك أَنطالية وسائر المشرق والإِسكندرية وأُورشليم مكسيموس الخامس حكيم، افتتح المؤَرّخ يوسف الحوراني كتابه “قانا الجليل في جنوب لبنان” الصادر عن وزارة السياحة سنة 2002.
وأَحسن المؤَلّف مع بدء كتابه بتأْكيد الخطإِ التاريخي الذي وقع فيه كثيرون من أَن بلدة المعجزة الأُولى هي كفركنّا في فلسطين البعيدةُ خمسةَ أَميال عن الناصرة، كما أَخطأَ في تشخيصه فيكتور غيرين (Guérin) محدِّداً خربة قانا موقعاً للمعجزة. وسبب هذا اللغط أَن منطقة جنوب لبنان كانت مجهولة من المؤَرخين والحجّاج لوعورة مسالكها، حتى القرن التاسع عشر حين بدأَ البعض يكتشف قانا اللبنانية، ومطابَقَتَها مع الاسم الكامل الوارد في إِنجيل يوحنا: “قانا الجليل”، وتَوارُدَ ذكرها منذ القِدَم في تقاليد البلدة ومعتقداتها، ومغارتِها والمحفورات التي ترمز إِلى المسيح وتلامذته.
حول هذا الموقع كتب مؤَرخ الكنيسة أُوزاﭘــيوس: “قانا حتى صيدون الكبيرة، قرية في الجليل لقبيلة أَشير. في هذا المكان حوّل ربُّنا وإِلهنا يسوع المسيح الماءَ إِلى طبيعة الخمر”. وجاء في نص القديس جيروم الذي قطع المسافة مشياً كي يتأَكّد من الموقع: “قانا، حتى صيدون الكبرى، كانت لقبيلة أَشير، فيها حوَّل سيِّدُنا ومخلِّصُنا الماء إِلى خمر. وهي اليوم قرية في جليل الأُمم”. ومصداقية القديس جيروم أَنه عاش في المنطقة ويعرف مواقعها وكان اختصاصياً في تحديد المواقع الجغرافية الواردة في الكتاب المقدس.
وفي الأَناجيل أَنّ المسيح جاء في تبشيره إِلى تُخوم صيدا وصور، وأَنّ أَوّل امرأَة آمنَت به كانت من بني أَشير، وهي قبيلةٌ معارضةٌ أَهلَ اليهود كسائر أَهل تلك المنطقة الكنعانيين في نواحي صيدا وصور.
و”وادي عاشور” اليوم، قبالة قانا اللبنانية، ذكْرٌ واضحٌ لقبيلة أَشير في “جليل الأُمم” الذي سكانه من غير اليهود.
وفي تأْكيد الموقع أَن الـمسافة التي اجتازها المسيح من الناصرة إِلى مكان العرس تطابق ما جاء في إِنجيل يوحنا: “وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل وكانت أُمُّ يسوع هناك فدعي يسوع وتلامذتُه إِلى العرس”.
وفي كتاب “على خطى يسوع المسيح في فينيقيا لبنان” يؤَكِّد مؤَلِّفُه المستشرق مارتِنْيانو رونكاليا، الذي مشى المسافة من الناصرة إِلى قانا لبنان، أَنها هي ذاتُها المسافة التي اقتضاها سير المسيح كي يصل إِلى قانا ويجترحَ أَوّل أُعجوبة حوَّل بها الماء إِلى خمر و”آمَنَ به تلامذتُه”، وكان ذلك على أَرض لبنان.
كتاب يوسف الحوراني “قانا الجليل في جنوب لبنان” مرجعٌ علْميٌّ تَلَتْهُ دراساتٌ معمَّقةٌ أَثبتَت في التاريخ والجغرافيا أَن الذي جال في صيدا وصور يسوعاً مَشَح الماء خمراً في قانا، وحين غادر لبنان كان اسمُه بات يسوع المسيح.
________________________________________________