نقطة على الحرف- الحلقة 1151
… والإِدارةُ ثابـتـةٌ ومـتـيـنـة
الأَربعاء 14 أَيّـــار 2014

 

        إِذا كانت السياسةُ جسمَ الدولة، فالإِدارةُ عَصَبُ هذا الجسم، ولا حياةَ لذاك الجسم بدون الحياة في هذا العَصَب.

          وها هي الإِدارةُ بدأَ الدمُ ينتعش في عروقِها وشرايـينِها ومفاصلها وأَخذَتْ تَـمتلئُ فراغاتُها الْكانت مُـجَــوَّفَةً منذُ سنواتٍ كسالى.

          يَــثْــبُــتُ إِذاً بالوقائِع والأَرقام أَنَّ معيارَ الحركَة ليسَ طُولَ عمْرِ الحكومة بل خصوبةُ عُمرها، وليس عمَلَ الحكومة بل فعْلُها. فبعدما جاءَت الحكومةُ السابقة بشعار “كلُّنا للعمَل” وكانت ذاتَ لونٍ واحدٍ بقيَ باهِتاً بلا لونٍ ولا حياةٍ ولا عمَل ولم تُـحَـرِّكْ أَيّ نبضٍ في الإِدارة، جاءَت حكومةُ تَـمّام سلام بشعار “المصلحة الوطنية” جامعَةً أَلوانَ الانتماءَاتِ السياسية اللبنانية، مُدْرِكَةً سلَفاً بأَنها آتيةٌ، مبدئياً، لبضعة أَسابيع، وها هي تُثبِتُ أَنها حكومة فِعْل، لا تعمَل وحسْب بل تفعَل، وها هي فعَلَت، وفي ثلاثِ جَلسات متتالية أَصدَرَت ثلاثَ لوائحِ تشكيلاتٍ إِداريةٍ كانت تَنتظرُ طويلاً في أَدراج الحكوماتِ السابقة ولم يَقُمْ من يُـحَرِّكُها بسبب كيديّاتٍ وتَجاذُباتٍ ومُـماحكاتٍ وحِساباتٍ وﭘـوانتاجاتٍ سياسيةٍ تقليدية، وبقيَتْ مشاريعُ التعيــينات تُكَدِّس أَسماءَ مَـحاسيبَ وأَزلامٍ وتضغَط مذهبياً وطائفياً وحزبياً وانتمائياً ومناطقياً، وها هي الفئةُ الأُولى في الوزارات تَتَحرَّكُ اليومَ، وهي العصَبُ الذي يُحرِّكُ الوزارات عمَلياً وإِدارياً وفعلياً وميدانياً، فالوزير يأْتي ويَمضي مع حُكُومتِه، والمديرُ العام يأْتي ويبقى من حكومةٍ إِلى حكومة ولا يَمضي إِلاّ إِلى استراحة السنّ القانونية. من هنا أَنّ الإِدارةَ أَدَقُّ من السياسة، أَفعلُ من السياسة، وأَبقى من السياسة.

السياسةُ متغيِّرةٌ متبدِّلةٌ آنيةٌ متقلِّبَة، والإِدارة ثابتةٌ واثقةٌ دائمةٌ ومَتينة.

          لافتٌ أَساسيٌّ في التعيينات الجديدة: عُنصرُ المرأَة، وهو ما يُفْرح ويُطَمْئِنُ إِلى وعْي الدولة في الإِدارة حضورَ المرأَة اللبنانية: بكفاءتها وجدارتها ومستواها العلمي ومخزونها الثقافي وانخراطها الجادّ في الحياة العامة والشأْن العام. ونأْملُ أَن يَتَواصلَ هذا الوعي فَـتَـتَـولّى المرأَةُ اللبنانية، السيدةُ اللبنانية، المتفوِّقةُ اللبنانية، ما تستحِقُّهُ من دَورٍ طليعيٍّ رائدٍ تؤَدّيه في شكْله الأَجمل.

          إِنّ لبنانَ اليوم بدأَ يتحرَّك لأَنّ الإِدارةَ فيه بدأَتْ تتحرَّك بِدَمٍ جَديدٍ نقِيٍّ نظيفٍ غيرِ مستزلِـمٍ ولا مُستَسْلِم، وإِن يكُن آتياً من مصادِرَ رشَّحَت، غير أَنّ آليَّةَ التعيين خاضعةٌ للكفاءَة والجدارة والقِيمة الذاتية والتجربة الشخصية، والإِدارةُ خبرةٌ ومهنيةٌ وثقافة.

          وفي لبنانَ طاقاتٌ لبنانيةٌ رائعةٌ فاعلةٌ خارجَ الاستزلامات السياسية تَنتَظر أَنْ ينفتِحَ لها بابُ الخِدمة الوطنية فتُغلقَ بابَ الهجرة وتفتحَ أَروقةَ البقاء في لبنان لِـخِدمة لبنان.

الإِدارةُ اللبنانيةُ هي القلبُ الذي يَضُخُّ الدمَ في شرايين الدولة اللبنانية، فَلْنُنْقِذْ شرايـينَها بالدَّم الجديد كي تَتَجَدَّدَ الإِدارةُ وتتجَدَّدَ الدولةُ ويَتَجَدَّدَ لبنان.

وكم يُشبِهُ لبنانَ أَن يبقى دائماً جِدِّياً جادّاً مُتُجَدِّداً جَديداً لـِــيَــبْــقى لُؤْلُؤَةَ النُّور الساطعةَ بَـهِيَّةً عَلى جَبينِ هذا الشرق.