أزرار- الحلقة 839
مقاربة عقلانية للذاكرة الفكرية (1 من 2)
السبت 12 نيسان 2014

 

        غالباً ما يدور الجدَل حول بيتٍ ذي طابع تراثي، فينقسمُ الرأْي بين الحفاظ عليه أَو هدمه لافتقادِه عناصرَ هذا الحفاظ.

          وفي ذاكرة الرأْي الأَول ما في عواصمَ ومدُنٍ مشهود لها بـحفْظِ بيتٍ كان يسكنه شاعر أَو كاتب أَو عَلَمٌ في حقل معرفـيّ أَو وطنيّ، أَو على الأَقل بـوضْع لافتة على مدخل البيت.

          شرطُ البيت المفترض حفْظه أَلاّ يبقى مجرّد شاهدٍ جامد على مَن وما كان فيه، بل أَن تكونَ له وظيفيةٌ ذاتُ منفعة ثقافية أَو عمَلية، كأَن يتحوّل متحفاً مفتوحاً للعموم، أَو مركزاً ثقافياً نابضاً بالأَنشطة، أَو مقرّاً رسمياً لـهيئةٍ دﭘـلوماسية أَو قنصلية أَو إِدارية.

          من هذا السياق في لبنان: مشروع تَـحويل بيت الرئيس فؤاد شهاب في جونيه مركزاً ثقافياً ومكتبةً عامة ومتحفَ محفوظاتٍ شخصية ووطنية إِبّان ولايته. وفي مصر: تَـحوُّل مقرّ الملك فاروق في الإِسكندرية إِلى “قصر المجوهرات” يعرض حِلِـيَّ البذْخ الفاحش للعائلة المالكة. وفي فرنسا: بيت ﭬـيكتور هوغو في غيرْنُـزِيه أَمضى فيه 15 سنة من منفاه وتأَنّـى شخصياً بديكوره وقِطَع أَثاثه تاركاً عليها كتاباتٍ بخطّه، وفيه وضَعَ معظم روائعه الشعرية والنثرية. وسنة 1927 منح أَحفادُه البيتَ إِلى بلدية ﭘـاريس التي تُحافظ عليه تحفةً فنية تحمل في كلّ غرفة وركن بصماتِ هوغو الذي يوم اشتراه كان مهجوراً لإِشاعاتِ أَنه مسكون بالأَرواح فجاء الشاعر يَسكب فيه روحَه العبقرية.

          وقد يكون الـمَـعْـلَـم بيتاً عادياً فيَحدُث فيه ما يَجعله غيرَ عادي، كما بيت فرانسين وَايسْـﭭـِــلِـــر في منطقة الأَلْـپ دعت إِليه سنة 1950 صديقها الكاتب جان كوكتو يُمضي العطلة فأَوحى إِليه موقعُ البيت أَن يرسمَ على جميع جدرانه أَشكالاً ولوحاتٍ ومخططاتٍ وجدرانياتٍ جعلَت الدولة الفرنسية تضعُه على لائحة الأَبنية التاريخية في فرنسا فبات مقصداً سياحياً مشهوراً باسم “ﭬـيلاّ سانتو سوسـﭙـير” أَو “الـﭭـيلا الـموشومة”.

          هذه الـمعالِـمُ أَعلاه ليست وحدها قاعدةً عامة للبيوت الواجب حفْظها. فثمة شروطٌ أُخرى ذاتُ طابع اجتماعي واقتصادي وفكري حول قيمة هذا البيت أَو ذاك: ما قيمتُه المعمارية؟ مَن سكَنه؟ ما المعيار العلْميّ لـحفْظه تراثياً أَو تاريخياً؟

          القانون يحفظ الملكية الفكرية والأَدبية ولا يلْحظ معايـير لـتبرير الملكية العقارية، بل أَقصى ما يَـبْلُغ: وضْعُهُ على لائحة الجرد العام لحفْظه من الهدم. ولكنّ هذا الجرد لا يُحدِّد دائماً مقاييس أَدبية أَو فكرية يتمّ على أَساسها حفْظُ البيت وآليّات الحفاظ عليه.

          فما الـمطلوب إِذاً؟