بعد الجُزء الأَول سنة 2012 من كتاب “نقدات عابر سبيل” للأَديب اللبناني المقيم في ﭘـاريس الدكتور عبدالله نعمان، صدَرَ قبل أَيامٍ الجزء الثاني كالأَول لدى منشورات “دار نعمان للثقافة”. وكان المؤلِّف، منذ الجُزء الأَول، عرّف “نقداته” بأَنها “ليست تاريخاً ولا مذكِّراتٍ بل نقداتٌ يسرُدها عابرُ سبيل في أَرذَل العُمرِ ملاحظاتٍ وهوامشَ لتاريخ حِقْبةٍ عشتُها متنقِّلاً في أَرجاء العالم”.
أَمامي الجُزء الثاني الصادر حديثاً في 96 صفحة قطعاً كبيراً تتصدَّر غلافَه لوحةٌ للرسّام حسن جوني ويتصدَّر صفحاتِه إِهداءٌ إِلى ستةِ “كبار”: إِدمون ربَّاط، حسين مروّه، ريمون إِدّه، عبدالله العلايلي، نجيب صدقة وعادل إِسماعيل.
لبنان، في هذا الكتاب، حاضرٌ من الغلاف إِلى الغلاف بأَعلامٍ عرَفَهم المؤلِّف أَو عاصَرَهم أَو عايَشَهم. وحتى الفصلُ الأَوّل عن الجنرال ديغول اختار منه المؤلِّف حضورَه في لبنان من نص نشَرَه سنة 1990 في كتاب جَماعي صدر عامئذٍ لمناسبة المئوية الأُولى لولادة ديغول. ويذكرُ نعمان أَنّ أَوّل كتابٍ عن ديغول صدرَ في بيروت سنة 1942 بعنوان “أُنطولوجيا ديغول” للأَديب جان غولْـمْيِيه، لدى منشورات “فرانس-لوﭬـان”(France-Levant) وعرَّبَهُ الياس أَبو شبكة من دون توقيع لكنّه نشر بتوقيعِه مقالاً عنه بعنوان “مختاراتٌ لديغول” في مجلة “الأَديب” (السنة الثانية، العدد الأَول، كانون الثاني 1943). ويورد نعمان خطاب ديغول صبيحة 3 تموز 1930 ووصيّتَه إِلى اللبنانيين في احتفال تَخَرُّج طلاَّب جامعة القديس يوسف في بيروت.
بعد ديغول في لبنان يَـمضي المؤَلِّف في ذكرياته مع إِدمون ربّاط وطنياً وقانونياً ومؤَرِّخاً ولغوياً وإِنساناً مثقَّفاً غيرَ عاديّ، ثم يَروي جلساتٍ له مع العميد ريمون إِدّه في مراحلَ ﭘـاريسيّةٍ من إِقامته وما كان له من موقفٍ رؤْيويٍّ حادّ عند توقيع معظم نوّاب لبنان على اتفاق الطائف، ويتذكَّر نعمان زيارةً له إِلى العلاّمة الكبير الشيخ عبدالله العلايلي، ويختُم الفصلَ الأَوّل من الكتاب بذكرياته عن مراحلَ عدَّةٍ في مواقفَ عدَّةٍ مع الشاعر سعيد عقل.
في الفصل التالي سرَدَ المؤَلِّفُ أَحداثاً وذكرياتٍ له مع أَربعةِ لبنانيين مُبدعين: رَمَّال رَمَّال، مارون بغدادي، وليد عقل وسمير قصير. وبعد سَردِه زيارةَ طه حسين إِلى زحلة ببادرةٍ من سعيد عقل، وأَحداثاً له مع الصِّحافة كاتباً ومُعلِّقاً، وترجمتَه كتاب “صمت البحر” لـﭭـِركور في “المنشورات العربية”، ختَمَ كتابَه بفصلٍ أَخير عن تفاصيلِ مشروعٍ له لم يَحظَ باهتمام المعنيّين في لبنان وهو مركزٌ ثقافيٌّ لبنانيٌّ في ﭘـاريس كانَ رفعَه إِلى الخارجية اللبنانية فورَ تَسَلُّمِه منصبَه ملحقاً ثقافياً في السفارة اللبنانية سنة 1974، وحتى تقاعُدِه مع فجر 2014 يكون مرَّ على المشروع أَربعون عاماً وهو نائمٌ في أَدراج الوزارة ولم يَلْقَ حتى اليوم من يَدرُسُهُ ويستشرفُ إِمكان تحقيقِه وتنفيذِه أُسوةً بسائر المراكز الثقافية الدُّولية في العاصمة الفرنسية.
“نقدات عابر سبيل” لعبدالله نعمان ليست أَبداً عابرةً سبيلاً عابراً، بل محطاتٌ دامغةٌ في وجدان أَديبٍ لبناني يُكرِّس قلمَه لـمؤَلَّفاتٍ، في الفرنسية والعربية، مرفوعةٍ إِلى مَـجد لبنانَ الأَدب والأُدباء، وهو الـمجدُ الباقي للبنان بعد زوال كلِّ ما عَداه من أَحداثٍ وحوادِثَ وتواريخ.