مع مطلع العام الجديد يشهَدُ العالم سلسلة احتفاءات بمئوية الحرب العالمية الأُولى، وبعضها سيمتدُّ على الأَربع السنوات المقبلة (2014-2018) استذكاراً لذاك الحدَث الذي تمطّى تلك السنوات (1914-1918).
بين الاحتفاءات تتهيَّأُ فرنسا وبلجيكا والهند معاً بتحضير سلسلة معارض واحتفالات، بعضُها مركزيٌّ والآخَرُ جوّال على مواقع جرَت فيها معارك سقط ضحيتَها نحو 70 أَلف جندي هنديّ حاربوا في أُوروﭘـا الغربية وكانوا يومها جُزءاً من فيالق الجيش البريطاني، وسقط منهم نحو 7 آلاف في فرنسا ومقاطعة الفْلاندر (اليوم في بلجيكا).
الحدَث كان مأْساوياً قبل مئة سنة. اليوم بات الاحتفاءُ به سياحياً: في نيودلهي يتهيَّأُ مكتب “زوروا مقاطعة الفْلاندر” لتنظيم رحلات إِلى المقاطعة البلجيكية، في بروكسيل يتهيَّأُ مكتب السياحة “زوروا مقاطعة الفْلاندر” لتنظيم جولات محلية داخلية للزوّار والسيّاح ويبدأُ منذ مطلع العام الجديد توعيةً على زيارة الهند بإِعداد وُرَش عمل سياحية تمتد أَربع سنوات (حتى 2018)، وفي ﭘـاريس تتهيّأُ مكاتب السياحة لتنظيم رحلات متخصصة طيلة 2014 في برنامج “زيارة فرنسا”، ولإِعداد المتاحف وتزويدها بوثائق وصُوَر عن الجنود الهنود ومعارك شاركوا فيها طيلة أَربع سنوات الحرب على أَراضٍ مختلفة من فرنسا.
كلّ ذلك تكريماً لذكرى الجنود الهنود الذين خسرتْهم الهند بمشاركتها في الحرب، واستذكاراً لتضحيات أُولئك الجنود بحياتهم. وعن سونيل بوري مدير برنامج “زوروا مقاطعة الفْلاندر” قولُه: “نتوقَّع سنة 2014 زيارة نحو مليونين إِضافيين من السيّاح سيأْتون من الهند إِلى المتاحف في فرنسا وبلجيكا ليعاينوا آثار مواطنيهم الجنود ويزوروا المواقع التي سقطوا فيها خلال السنوات الأَربع (…) ولهذه الغاية أَعدَدْنا دوراتٍ تدريبيةً سياحيةً وثقافيةً وتاريخيةً للأَدِلاَّء السياحيين كي يشرحوا للسيّاح والزوّار جميع التفاصيل عن الأَماكن وشهدائها وتواريخ سقوطهم وظروف معاركهم، فتكون لديهم أَجوبةٌ عن أَي سؤال يطرحه عليهم سائح”.
وأَرسلت فرنسا اختصاصيين سياحيين إِلى الهند يقومون فيها بـجولاتِ توعيةٍ سياحيةٍ وثقافيةٍ على أَنشطة سياحية وثقافية ستجري في فرنسا استذكاراً لشهداء الجيش الهندي في تلك الحرب.
هكذا إِذاً: فرنسا وبلجيكا والهند تستثْمر سياحياً وثقافياً ما دمَّرَتْه الحرب، وتُحَوِّل مواقعَ المعارك وقائعَ تاريخيةً تستذكر آلامَ مَن ماتوا قبل مئة سنة بإِحياء ذكراهم اليوم فتَتَحَوَّلُ مآسي الماضي عِــبَــرَ وفاءٍ للحاضر ونماذجَ فداءٍ للمستقبل.
هي الدُّوَلُ الواعية تاريخَها تستَثْمِرُ سياحياً صفحاتٍ من مواقعها، وثقافياً صفحاتٍ من وقائعها، لتُبْقي شعوبَها في قلب تاريخِها فتقطفَ من الحرب ثماراً ناجعةً لِـمَوَاسم السلام.