1128: الحقُّ بأَن تكونَ ذكياً
الأَربعاء 4 كانون الأَوّل 2013

          لم يكُن كلاماً للاستهلاك ما قاله الرئيس الـﭭـنزويلي لويس هيريرا كامْـﭙِـنْسْ في خطابِ قَسَمه نهار انتخابه (سنة 1979) بإِعلانه التركيزَ في ولايته الرئاسية على الثقافة والتعليم. فمنذ فجر عهده ابتكر حقيبةً وزاريةً جديدةً سمّاها “وزارة الذَّكاء” كانت فَـتْحاً جديداً لا في أَميركا اللاتينية وحسْب بل في العالم. وأَوكل هذه الوزارة إِلى صديقه الشاعر لويس أَلبرتو ماتشادو صاحب الكتاب الشهير “الحق بأَن تكون ذكياً”، بنى فيه نظريّتَه لا على خياله كشاعر بل على الحقيقة العلمية أَنّ للذَّكاء قدرةَ التقاط الروابط بين الموجودات، وتالياً هو قابلٌ الاكتسابَ بالتدرُّب والتعلُّم فينتقل من مُعطى طبيعيٍّ للفرد فِطرةً وموهبةً، إِلى مهارةٍ مكتَسَبَةٍ تتعمَّم وتتطوّر فتُصبح ثروةً اجتماعيةً ذات رسالةٍ وطنيةٍ عامةٍ تُطَوِّرُ أَجيالَ الوطن الطالعة.

          بهذا المنطق: تعليم الذَّكاء تَوازياً مع تعليم التفكير والتعبير، أَنشأَ الوزير الشاعر مدارس خاصة بالذَّكاء للصغار تَبدأُ بتعليمهم التفكيرَ الإِبداعي تصاعُداً مع تقَدُّمهم في الصفوف العليا حتى الجامعية فيتخرَّج الطالب حاملاً شهادة الذَّكاء المتفوقةَ بعيداً عن شهادة النظام التعليمي التقليدي.         ومنطقُ أَنّ الذَّكاء ليس عاملاً وراثياً وأَنّ الإنسان ابنُ بيئته تنعكس عليه ظروفُ تخَلُّفِها أَو تقدُّمها فيخرج منها عاديون أَو أَذكياء، هو الذي يُطوِّر المجتمع من سكانٍ عددٍ إِلى سكان نابهين يَتنافسون على نهضة الوطن ككل.

          بناءً على هذا القياس أَجرت مؤسسة “غود نِت” الأَميركية في ميامي/فلوريدا إِحصاءً لمعدَّل الذكاء في العالم، وَفْق درجات الذَّكاء العاديّ واقترابه من العبقرية، فاحتلَّت المرتبةَ الأُولى سنغاﭘـــور وحلَّت بعدها كوريا الجنوبية فاليابان فإِيطاليا.

          وفي الشرق الأَوسط حَلَّ لبنان في المرتبة الخامسة والعشرين عالَـمياً، والسادسة عربياً بعد العراق والكويت واليمن والإِمارات والأُردُن والسعودية والمغرب، على رغم ما في لبنان من حراكٍ ثقافي وفني وسياسي واجتماعي.

          مهما يكن من صوابية الإِحصاء ومقايـيسه ومعايـيره، قد لا نكون في حاجةٍ إِلى مؤَسسة عالمية تُجري علينا اختباراً كي نعرف درجة تقدُّمنا على سوانا أَو تخلُّفنا عن سوانا في دوَل المحيط أَو دول العالم. فلْنُعاينْ حولَنا كيف كانت الدول قبل خمسين سنة وكيف هي اليوم، وكيف تَنتقل تدريجياً من دُوَل نامية إِلى دُوَل متطوِّرة، ولْنُعاينْ ما كان عندنا قبل سنوات وما بات عندنا اليوم، كيف وأَين كنا وكيف وأَين صرنا، ندرك عندئذٍ إِلى أَين أَوصلتْنا أَجهزة الحكم عندنا: من “لبنان سويسرا الشرق” و”جنّة الله على الأَرض” و”لبنان قطعة سما”، إِلى وطنٍ خائفٍ يرتعش في وجه الأَعاصير التي تحاصرُنا من كلّ صَوب، بسبب بعض سياسين عندنا يُديرون شؤون الوطن بـ”ذكائهم” و”ستراتيجيّاتهم” و”خطَطهم” لإِنقاذ البلد، فإِذا البلَد المنكوبُ بـ”ذكائهم” العبقريّ يَـؤُول إِلى الـمهوار فالأَخطار فالانهيار.

          وبنظرةٍ سريعةٍ إِلى الوراء يتبيَّن لنا كيف كان لبنان وكيف صار اليوم، أَين كان وأَين صار اليوم، وكيف بات متخبِّطاً ببعض سياسيين وزعماء وخططِهم الأَمنية والاقتصادية والتنموية، وكيف يختصرون الوطن بشخصهم العبقري الذي لم يعرِف كيف يُخرج لبنان من بلادِ ما بعد الحرب إِلى بلادٍ تنهض من ركام الرماد والدمار.

          نظرةٌ سريعة إِلى خدمات الكهرباء والطاقة والبُنْية التحتية والطرقات والفساد والأَمن الهش والأَمان المفقود، ونفهم عندها  لماذا حلَّ لبنان في المرتبات السياسية الدُّنيا والسفلى من “ذكاء” سياسيِّين جَعَلونا لا في العالم الثالث بل في العالم الثالث والثلاثين.