لأَنّ القطاع المصرفيّ في لبنان رُكنٌ أَساسٌ في صلابة الكيان اللبنانيّ، يكونُ تأْريخُهُ رُكناً في الحفاظ على تراث لبنان.
بهذا المنطِق نشَر “بنك عودة” سنة 2001 كتابه الفخم “تاريخ المصارف في لبنان” طِباعةً أَنيقةً وحَجماً موسوعياً كبيراً من 358 صفحة في قسمَين وضع الأَولَ منهما الدكتور غسان العيّاش ووضع الدكتور جورج عشِّي القسمَ الآخر.
غلافُ الكتاب تفصيلٌ من ورقة 25 ليرة تعودُ إِلى أَول آب 1950 وعليه “شجرةُ الحياة” رمزُ الخير والبحبوحة.
القسم الأَول من الكتاب عالَجَ الحالةَ المصرفيةَ منذُ أَزمة الاقتصاد العثماني في أَواخر القرن التاسع عشَر وبدايةَ تَكَوُّن القطاع المصرفيّ اللبناني في مطالع القرن العشرين، مروراً بالنظام النقديّ اللبناني بين الحربَين العالميتَين وفتْح مصارفَ أَجنبيةٍ فروعاً لها في بيروت منشّطةً وضع القطاع الوطني، وصولاً إِلى بداياتِ كيانٍ نقديٍّ واقتصاديٍّ لبنانيٍّ شَهِدَ مطالع المصارف اللبنانية ونُـمُوَّها وتنظيمَها في جوٍّ من الأَمن الاقتصادي والمالي.
القسم الآخر عالَـجَ الوضعَ المصرفيّ منذُ ستّينات القرن الماضي، فتنظيمَ الصناعة المصرفية بين تعثُّرِها وازدهارها مروراً بالصعقة الكُبرى في أَزمة “بنك إِنترا”، ونشوءَ أَوّلِ إِصلاحٍ مصرفيّ، وازدهارَ القطاع بين منتصف الستّينات ومنتصف السبعينات حتى وقوع الحرب القاصمة في لبنان، ثم ما حلَّ بالوسَط المصرفيّ والنقد اللبنانيّ خلال حرب السنتَين وأَدّى إلى وضع الإِصلاح المصرفيِّ الثاني، وكيف تدهْوَرَ النقدُ دراماتيكياً بين 1983 و1990 عند سكوت المدافع، وكانت بدايةُ نقاهةٍ عَقِبَها استقرارٌ نقديّ وازدهارٌ مصرفيّ حتّى نهاية التسعينات ليعودَ الاقتصاد إِلى الركود والنموُّ المصرفيّ إِلى التباطؤ.
تصديرُ الكتاب لــريمون عودة (رئيس مجلس الإِدارة والمدير العام للمصرف ناشر الكتاب) وفيه أَنّ “العِبرة الأَساسيةَ من إِصدار هذا الكتاب: إِثباتُ أَنّ مناخَ حريةٍ نما فيه القطاعُ المصرفيّ اللبنانيّ هو الذي مكّنَهُ من الانطلاق والنموّ فالصمود والاستمرار، رغم الأَزمات والعثرات والمِحَن والحروب”. ويُشدّد ريمون عودة على أَنّ “عصَب الحياة المصرفية اللبنانية يُتَرجمُه استمرارُ القطاع وتجَدُّدُهُ الدائم ونُـمُوُّه الـمُطَّردُ في أَجواء الحرية والاستقرار، وبفضل النظام الديمقراطي البرلماني، ونظام حرية القطع، وحرية انتقال الرساميل، واستقلالية السلطة النقدية، وتعزيز الرقابة الواعية على القطاع المصرفي، والتزام أَحكام السّرية المصرفية”.
“تاريخ المصارف في لبنان” مسيرةُ الليرة اللبنانية منذ صدورِها عن “بنك سوريا ولبنان” (بحسب اتفاقية 1937) فصُدورِ بلاغ وزارة المالية اللبنانية (2 شباط 1948) لاستبدال الأَوراق النقدية التي عليها كلمة “سوريا” بأَوراقٍ نقدية عليها كلمة “لبنان”، حتى استقلالِ الليرة اللبنانية فإِقلاعِ القطاع المصرفيّ بلبنانيّةٍ وُثقى لا تزالُ حتّى اليوم رمزاً لصمود لبنان في وجه العواصف.