“إِلى كُلّ من خَصَّتْه العنايةُ الإِلهية بأَن يكون ابنَ هذه الأَرض المقدَّسة“.
بهذا الإِهداء الـمعبِّر يَفتَـتح القاضي لبيب زوين كتابه “ستراتيجيا البقاء” الصادر سنة 2012 عن “منشورات درغام” في 376 صفحةً، حاملاً عنواناً ثانوياً: “بقاءُ تعدُّدية لبنان كي يبقى لبنان”.
في الكتاب ثلاثةُ أَجزاء، يتناول الأَوَّل منها “هوية لبنانٍ جامعٍ الإِنسانيةَ بـحَضارَتَـي المسيحية والإِسلام في صيغةٍ تعددية مثالية فريدة في العالم”، ويعالج الجزء الثاني “الأَخطار الـمُحْدقة بتعَدُّدية لبنان ورسالته العبقرية وكيفية تدارُك هذه الـمخاطر”، ويتَوَزَّعَ الجزءُ الثالث على أَربعة أَبواب تعالج “ستراتيجيا البقاء والخلاص بإِنشاء نظام توافقي لوطن توافقي يـجعله متَّحداً موحَّداً مستقراً تعدُّديّاً ذا مكوِّنين أَساسيين: مُسْلم ومسيحي، إِقصاءُ أَحدِهما عن المشاركة في إِدارة الوطن يعني إِقصاءَه عن الوطن ودفعَه إِلى هجرةٍ قاصمةٍ تؤَدّي إِلى زوال التعدُّدية أَي زوال جوهر لبنان”.
بهذا المنطِق يُعلن القاضي لبيب زوين: “لن ينفعَ اللبناني المسيحي أَن يتطلّع إِلى عالم غربي لم يكن يوماً جُزءاً منه بل هو عددٌ زائدٌ وإِنسانٌ غريبٌ عنه، ولن ينفع اللبناني الـمُسْلم أَن ينظر إِلى اللبناني الـمسيحي على أَنه عددٌ زائدٌ وإِنسانٌ غريبٌ على هذه الأَرض الـمشرقية. معاً هما صاحِبا الأَرض، معاً اختارا تأْسيسَ بيتٍ مشترَكٍ عليها، وعليهما احترامُ ميثاقِ هذا البيت، والـمُحافظةُ عليه فيشعرُ كلٌّ منهما أَنه صاحب البيت وليس ضيفاً فيه”. ويؤكّد المؤلِّف: “اللبناني المسيحي كان سبّاقاً في الإِقامة على هذه الأَرض منذ أَلْفَي سنة، إِنما لم يَشَإِ الإِقامةَ وحدَه عليها ضمن وطن مسيحي مستقلّ بل أَنشأَ مواطنيَّته مع أَخيه الـمُسْلم في شراكةٍ وحدوية متضامنة تجعل وطنَهما لا بديل عنه، ولا غنى عن شبرِ ترابٍ من أَرضه الغالية”.
هكذا يرى القاضي أَنّ “بقاءَ لبنانَ متعدِّدَ الأَديان والثقافات يـَجعلُه منفتحاً على العالـم كلِّه، واحةَ سلامٍ رحيبةً أَمام الأَشقّاء العرب، وسيطاً بينهم نزيهاً مُـخْلصاً”… فــَـ”مِن مصلحة المسيحيين التيَقُّنُ أَنْ لن يصنعوا مستقبلَهم في لبنان والمشرق العربي من دون شراكةٍ كاملة مع الـمسْلمين في الجغرافيا والأَرض واللغة والانتماء والهوية والمصلحة والمصير. وبارتكاز لبنان على دولته تعدديةً مدنيةً حاضنةً جميعَ فئات شعبها، يكون فعلاً حالةً اختباريةً رائدةً ومثالاً لدول العالم العربي بل للعالم كلِّه”.
لذا يشدِّد المؤَلّف على أَنّ “بقاءَ لبنانَ تعدديّاً في عالم عربي تعدُّدي، تـحَدٍّ يواجهه اللبنانيون، وقبلهم العرب فلا يُفْسدون فيه معادلةً فريدةً ثلاثية: “لا تهميش، لا تذويب، لا تقسيم”.
بهذا التشخيص العادل تتحقَّق خصوصيةٌ في لبنان تغتالها مظاهرُ خطيرةٌ مدمِّرة، في طليعتها إِقحامُ قواعد الدين في قواعد الدولة، واستغلالُ الدين لغاياتٍ سياسية أَنانية على حساب مصلحة الوطن أَدَّت وتُؤَدّي إِلى تأْجيج الصراع بين فئات الشعب اللبناني، وإِلى تهديم القيَم والمبادئ الإِنسانية والحضارة والمجتمع والوطن. من هنا ضرورةُ التمسُّك بحق البقاء والوجود والاختلاف وخصوصية الذات الإِنسانية، وضرورةُ العمل على تثبيت ركائز البقاء والوجود والاختلاف والخصوصية.
ويختُمُ الكتابَ منطقُ أَنّ “خلاصَ لبنان ممكنٌ، وطريقَ خلاصه واضح.
ما المطلوب إِذاً؟ المطلوبُ: رجالٌ ذَوو إِيمان”.
بلى، معه حَقّ، القاضي المؤلّف: لبنانُ في تاريخه غنيٌّ بالرجال، ولن يُعْدَمَ في حاضره رجالاً يَحْملون إِيمانهم ويُصَعِّدون في جلجلة الوطن بُلُوغاً إِلى… قيامته المجيدة.