الحلقة 1118: صَفَعَاتٌ يوميةٌ ولا مَن يُـحاسِب
(الأَربعاء 25 أَيلول 2013)
في ما سوى أَربعٍ وعشرين ساعةً بلغَ الـمليونَين عددُ زوَّار الإِنترنت الذين شاهدوا على الـ”يوتيوب” لقطةَ مدرّبِ كرة الطائرة في ثانوية هامامتسو اليابانية (مقاطعة شيزْوُوكا) يصفَعُ لاعباً فتىً كي يُوقظَه من كَسَله ومُيُوعته في اللعب. سجَّلَت اللقطة 13 صفعةً في أَقلَّ من نصف دقيقة، وتَدرُس الإِدارة أَمر توجيه اللوم إِلى المدرِّب على فِعْلَةٍ سبَّبَ انتشارُها إِحراجاً لليابان التي فازت قبل أَيام باستضافتها الأَلعابَ الأُولـمـﭙـية لسنة 2020، فهذه الصفعةُ تُضرُّ بِـمبدإِ الروح الرياضية التي على الـمُدرِّب واللاعبين أَن يعتنقوها.
كلُّ هذه الـخضّة بسبب صفعةٍ تكرَّرتْ في نصف دقيقة.
الصفعة الـجسدية تَزول آثارُها في دقائق، وليسَت كالصفعة الـمعنوية لا تَزول آثارُها في أَيامٍ وأَشهُر ورُبَّـما سنوات.
وإِذا التداوُل الياباني يجري في الـمحاسبة لتوجيهها إِلى الـمدرب، فما القولُ في صفَعاتٍ يوميةٍ تنهال على شعبٍ كامل؟
من يُـحاسبُ مسؤُولين عندنا ليسُوا مسؤُولين، ولا حتماً مدرِّبين صالـحين، تولَّوا أَمر شعبنا ويَصفعُونه يومياً بوُعود طنّانة، وكلمات رنّانة، وتصاريح عَنّانة، ويوْقِعُوننا في مهالكَ ومآزقَ ومواقفَ مـحرانة، ولا من يحاسبهم، ويُوغِلون في صفعاتهم يوماً بعد يوم؟
الصفعةُ الفردية على خدِّ فردٍ تَذهب إِلى صفحٍ أَو مُـحاسبة، فماذا عن صفَعاتٍ جَماعيةٍ على مُستقبلِ شعبٍ بكامله يَنهض صباحاً على تصاريح وينامُ مساءً على تصاريح ويُـمضي نهاره بين التصاريح، ولا شيءَ يتقدَّم، ولا شيءَ يتطوَّر، والبلدُ واقفٌ مُـجَمَّدٌ أَمام صافعِيه وهُم نازلون صفْعاً على وجهِه كي لا يرى، وعلى رأْسه كي لا يَرتفع، وعلى غَدِه كي لا يَبان.
وِزاراتٌ لتصريف الأَعمال ولا أَعمال، مجلس نيابي للتشريع لا يجتمع للتشريع، حكومةٌ عتيدةٌ لا تولد لأَنها لا تجد قابلةً قانونيةً تفهَم في منطق الجهات السياسية المتناحرة الـمتناتشة في وجهات متعاكسة واتجاهات متفاكسة ومواقف متشاكسة، وفراغٍ في معظم مفاصل دولةٍ بات أَكثرُ مَسؤُوليها الإِداريين أَو بالإِنابة أَو بالإِعارة أَو بالتكليف.
صفَعاتٌ يوميةٌ ولا من يُحاسب. والمسؤولون مرتاحون على وضْعهم مطمَئِنُّون إِلى أَنّ الشعب لا يُحاسب فلماذا يهتمُّون؟
من بضْع صفعاتٍ في بضْع ثوانٍ خافَت اليابان على سِـمْعَتها الرياضية لأَنّ الأَلعاب الأُولـمـﭙـية ستجري فيها بعد سبع سنوات، فمَن مِن مسؤُولي لبنان يَهتمُّ لسِمْعة لبنان بعد سبْع سنوات أَو سبْعة شهور أَو سبْعة أَسابيع أَو سبْعة أَيام؟
مدرِّبٌ واحدٌ لـحادثةِ صفْعٍ واحدة شغَلَ إِدارةً لتدارُس مـحاسبته، فمن يتدارس عندنا مـحاسبةَ مدرِّبين للصفْع واللطْع والنكْع يومياً على مصير شعبٍ كاملٍ رُبْعُهُ باتَ اليوم دون خَطِّ الفقْر؟
الأَوطان ذاتُ الدُّوَل الـمُهَيكَلَة لا يُـخشى فيها على الـمُحاسبة الصارمة.
الـمحاسبةُ التي يُـخشى أَلاَّ تأْتي: هي في الأَوطان التي ما زالَت تُدار بـمنطق الـمحسوبيّات والزبائنّيات وزعاماتٍ مَذهبيةٍ وطائفيةٍ وسياسيةٍ تُفْرِغُ الوطن من مستقبلِه فتُفْرِغُه من شَعبٍ يَهجُره ويَلجأُ إِلى حيث يجدُ هيبةَ القانون والـمُحاسبة في أَوطان الآخرين.