810: هل تعكس الواقع؟

هل تعكس الواقع ؟
السبت 14 أيلول 2013
-810-

بين “الفن للفن” و”الفن الملتزم” مسافةُ ما بين الفن الرسالة والفن الترف، بين فنّ واقعي ينقل الحياة كما هي بدون “رتوش”، وفنّ يجعل الواقع أَجمل وأَنقى ويحمل إِلى حُبِّ الحياة.
والسينما اليوم بين أَكثر فُنون العصر تأْثيراً في “نقْل” الواقع أَو في “خلْق” واقع ممتع مريح.
في جواب مدير “مهرجان البندقية” أَلبرتو باربيرا عن سبب احتواء معظم الأَفلام المشاركة في الدورة الـ70 هذا العام على مشاهد العنف والتحرُّش الجنسي والاغتيال والموت والحوادث والصراعات العائلية، قال إِنّ ما تقَدَّم للمشاركة: “أَفلام تطرح واقعاً سوداوياً، تعالج الواقع الآنيّ وأَزمة قِيَمٍ يعاني منها مجتمعُنا المعاصر. وهي أَفلامٌ لا تعكس الأَزمة الاقتصادية والاجتماعية وحسْب، بل أَزمة حضارتنا التي تعاني من خلل في منظومتنا الأَخلاقية”.
لافتٌ هذا الكلام. فالحاصل فعلاً أَنّ السينما المعاصرة لم تعُد في معظمها تُنتِج إِلاّ أَفلام الرُّعب والعنف، واصطدام وإِحراق السيارات محطَّمة مشتعلة ذات ضحايا، وحوادث الاغتصاب والاغتيال والانتقام والمؤامرات والاحتيالات والتخطيطات الجهنّمية والخيال العلْمي الكابوسي والتدمير السكاني والـمُدني، حتى ليخرج المشاهد منها متوتِّر الأَعصاب، وفي أَفضل الحالات متأَثِّراً بـمَشاهد تبقى في ذهنه طويلاً. ولذا بات معظم السوق السينمائي استهلاكياً منتجاً هذا النوع من الأَفلام، بـحجة أَنها “تعكس الواقع”.
صحيح أَنّ هو اختيار اللجنة التحكيمية في مهرجان البندقية جاء مبنيّاً على ميول المشاهدين وعلى معيارِ أَنّ الأَفلام الحائزةَ الجائزة تتَّفق وما يسعى إِليه الإِنتاج السينمائي لاستقطاب الملايين إِلى شبّاك التذاكر.
وصحيح أَنّ تأْثيرات الأَجواء الاجتماعية والثقافية تفرض واقعها على سوق السيناريُوَات المطلوبة.
غير أَنّ هذا النمط يبقى آنياً مرحلياً استهلاكياً سريعاً عابراً، ولا يَجعل السينما ذاتَ “فن هادف” تُنتج أَفلاماً خالدةً تبقى طويلاً في ذاكرة المشاهدين وتحفُر اسمَها في تاريخ السينما عناوينَ مُضيئةً طالعةً، كما في عصرها الذهبيّ، من روائعَ روائيّةٍ خالدةٍ أَبدعها مؤلّفون صرَفوا عمرهم على صفحاتٍ سطَّرَت مجد الأَدب العالمي.
ولا تَـمييزَ هنا بين الفيلم العاطفي أَو التاريخي أَو الروائي الاجتماعي، فالرسالةُ تبلغ المتلقّي أَنّى كان في العالم، تَدخُل وطنَه عبر فيلم طالع من وطن واحد (عن رواية واحدة) إِلى المشاهدين في جميع الأَوطان.
وهو هذا جوهرُ الفن: أَن يكونَ خالداً لكلّ مكان وزمان. فـــ”ذهَبَ مع الريح” و”الدكتور جيفاكو” و”التايتانيك” لم تعُد لِـجُمهور بلدانِها وحسْب بل باتت خالدةً لدى مُشاهدي جميع بلدان العالم.
السينما الاستهلاكية تنتهي عند شباك التذاكر.
أَمّا السينما الخالدة فتبدأُ عند شبّاك الذاكرة، ولا تنتهي.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*