809: الصورةُ هي النصّ وهي العنوان

الصورةُ هي النَّصّ وهي العنوان
السبت 7 أيلول 2013
-809-
في اجتماع لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، مطلع الأُسبوع، حَمَلَ نائبٌ معارضٌ ضرْبَ سوريا صورةَ جنديّ أَميركيّ قتيل في بنغازي وسأَل: “ماذا كان يفعل جنودُنا في ليبيا؟ ولـماذا ماتوا؟” فحملَ نائبُ إِيلِينُوْيْ الجمهوريُّ آدم كِـنْـزِنْـغِـر صورةً مكبَّرةً لسبعة أَطفالٍ سوريين خائفين وسأَل: “إِذا لم نتدخَّل سيَموت هؤُلاء الأَطفال الأَبرياء”.
هكذا إِذاً: صورةٌ صامتةٌ واحدة أَغْنَت حاملَها، معارضاً أَو موافقاً، عن خطاب طويل للإِقناع.
صورةٌ واحدة، من لحظةٍ واحدة، في كبسةِ زرٍّ واحدة، تُغْني عن أَسطرٍ كثيرة تستغرق كتابتُها وقراءتُها ساعات.
صورةٌ واحدةٌ تختزل آلاف الكلمات في نصّ مكتوب، وتدعو إِلى التفكُّر العميق والتأَمُّل الصامت كصمت الصورة.
صورةُ رجُلٍ أَضرم النارَ في جسده احتجاجاً، تُشعل “ربيعاً” وتهزُّ الناس أَفعلَ من مئات مقالاتِ الثورة وخُطَب المنابر.
صورةُ جثثٍ مُكَدَّسةٍ لـمئاتِ أَطفالٍ ناموا هانئين ولن يستيقظوا لأَن غاز السالين جعلَ نومَهم أَبدياً، تَهزُّ الضمير أَكثر من مئاتِ تعليقاتٍ ثرثارة.
صورةُ حُفرةٍ عميقة أَحدَثَها انفجارُ سيارةٍ مفخَّخة، تنبئُ عن عشرات الـمآسي التي سبّبَها مُسَبِّب الحُفرة.
صورةُ دولابٍ على سطح بناية تَشظّى من عربة بيّاع كعك في الانفجار، تختصر فاجعة عائلة البيّاع باستشهاده.
صورةُ أَحياء باتت أَشباحَ منازل وبقايا شوارع ومسارحَ جُثثٍ للبُوم والغربان، تدُلُّ على السفّاح أَكثر من تنظيرات الـمُحَلّلين.
حقوقُ الإِنسان تُبرز انتهاكَها صورةٌ لاهبةٌ أَكثر مما تُبرزُه خُطَبٌ باردةٌ على منبر الأُمم المتحدة أَو في محافل الدﭘـلوماسيا.
المجازر والفواجع والكوارث والجرائم الفردية والجَماعية تَدينُها صورةٌ واحدةٌ تفضَح كَذِبَ الحاكم الـمُتلَطّي وراء أَبواقه الكاذبة.
تَطَوُّرُ الإِنسانية تُسَجِّله الصُّوَرُ أَقوى مـمّا تتوسّع به الكتُب والمحاضرات والدراسات العلْمية والتاريخية.
وقد يكون للصورة تأْثيرٌ سلبيٌّ حين تُثير غرائزَ الثأْر والانتقام، أَو تكون “مُرَكَّبةً” فتقْلب مواقفَ سياسية ومعطياتٍ دولية.
ثمة صُوَرٌ يجب نشرُها لإِظهار الحقائق والوقائع، وأُخرى يجب إِخفاؤُها احتراماً للضحايا.
أَمام الصورة الكثيرة تَضْؤُل الكلماتُ الطويلة. الصورةُ هي النَّصّ وهي العنوان. مع الحدَث، هي العَلاقة وهي التعليق.
عبقريةُ الصورة في هُنَيهتِها الآنيَّة: أَنْ تجعلها عينُ الكاميرا مستدامةً في ذاكرة المستقبل.
بلاغتُها في هنيهة التقاطها، وعمقُها في صمتِها الصارخ أَعلى من كلّ نُطْق.
قُوّتُها أَنها لغةٌ واحدةٌ لـجميع الناس: لغةُ عينٍ لا تحتاج الصورةُ أَمامها ترجمةً من لغةٍ إِلى أُخرى كي يقرأَها ويفهمَها جميع الناس.
ذاكرةُ العين قارئةِ الصورة أَسرعُ من ذاكرة العين قارئةِ النص، لأَنّ الصورة تَخترق العِيان ونادراً ما تحترق في النسيان.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*