في تقويم أَسباب الفشل (1/3)
السبت 17 آب 2013
-806-
أَبعد من الذُهول أَمام “صدمة” 40 أَلف تلميذ رسَبوا بسبب مسابقة اللغة العربية في امتحان الشهادة المتوسطة 2013 (من أَصل 60 أَلف)، وأَبعد من “المسارعة” إِلى تشكيل لجنة لـ”التقصّي والبحث وكتابة تقرير”، وأَبعد من معالجة هذه المشكلة لهذا العام، تجدُر العودة إِلى الْـما قبل، إِلى جذُور المشكلة ومعالجتها، لا لِــمَن تقدَّموا إِلى الشهادة بل لِـمَن سوف لاحقاً يتقدَّمون.
اطَّلعتُ على أَسئلة الـمسابقة وعلى معايير التصحيح وعلاماتها، وهي مطابِقةٌ ما جاء في المنهج الرسمي ومعاييره. الأَسئلة حول نص مارون عبود جيّدة، وتقود التلميذ إِلى فهم النص وتحليله وكتابة نص مقارب.
المعضلةُ ليست في أَسئلة المسابقة ولا في المعايير ولا في التصحيح (إذا اعتبرنا الـمُصحّحين “أَكفياء”) بل هي في أَهلية التلميذ أَن يُجيبَ عن الأَسئلة انطلاقاً من مبدإٍ تربوي ثلاثي: قراءة النص، فهمه، كتابة نص مشابه.
لكنّ التلميذ لا يبلُغ هذه الثلاثية إِلاّ إِذا كانت لديه مهاراتٌ ضروريةٌ يكتسبُها طيلة حلقاتٍ ثلاثٍ (كلُّ واحدةٍ من ثلاث سنوات) يتشكّل منها “التعليم الأَساسي”: حلقة أُولى في ختامها يترفّع تلقائياً، ثانية في ختامها يترفّع مع معايير معيّنة، وثالثة في ختامها (السنة التاسعة) يتقدّم من مسابقة الشهادة المتوسطة.
طيلة هذه الحلقات الثلاث يتدرَّج التلميذ على اكتساب مهاراتٍ تُـمَكِّنه تدريجياً من قراءة أَيِّ نصّ أَو أَيّ مضمون (خارطة لبنان، غلاف علبة أَدوية، مقطع في جريدة، إِحصاء عن الأَطعمة الـمغذّية، …) ليستطيعَ أَن يقارب نصاً أَدبياً خالصاً بعدما تكون تيسَّرَت له عناصرُ تَجعلُه يَقرأُ النص فيَفهم نوعَه ويُحلِّل أُسلوبه ويتبيَّن تصميمَه وفكرتَه الرئيسة وأَفكاره الثانوية، فتتكوّن لديه القدرة على كتابة نص مُـماثل في الـموضوع ذاته أَو في موضوع قريب.
فهل هذه المهارات متوفّرة لدى التلامذة الذين يتقدَّمون إِلى الشهادة المتوسطة؟
وهل طرائق التدريس التي يتطلّبها المنهج توفَّرت لديهم طيلة السنوات التسع حتى يُقاربوا مسابقة اللغة العربية؟
وهل جميع مُدَرّسي هذه المرحلة المتوسطة اتَّبعوا الطرائق الحديثة المطلوبة؟ أَم انهم ظلّوا يتّبعون الطرائق القديمة لأنها لا تتطلّب منهم جهْداً إِضافياً تتطلَّبُه الطرائق الحديثة؟
وهل جميع المدارس تخصّص للُّغة العربية عدد الساعات التي حدَّدها المنهج؟ أَم انّ معظمَها (بحسب إِحصاء رسمي) خفَّضت ساعات اللغة العربية لصالح لغةٍ أَجنبية أَو موادّ أُخرى علْمية؟
المسؤُولية في “صدمة” الرسوب الفاجع (هذا العام وما قبله وما سيأْتي بعده)، لا تتحمّلها جهةٌ واحدة ولا يتحمَّلُها التلميذ وحدَه.
مَن يتحمَّلها؟
إِلى الحلقة الثانية: السبت الـمقبل.