1094: طائرةُ السلام الورَقية

الحلقة 1094: طائرةُ السلام الورَقيّة
الأَربعاء 10 نيسان 2013

في تقليدٍ صينيٍّ شعبيٍّ قديمٍ: نهارٌ يُسمّى “عيد الصفاء والنقاء”، يُطلق فيه الصينيُّون نهاراً طائراتٍ ورَقـيَّـةً تعبيراً عن رجائهم في إِزالة القلق واطِّلابهم رجاءَ السعادة، فيكتبون أَمراضهم ومخاوفهم وقلقَهم على الطائرات الورقية ثم يقطعون الخيط لتنطلقَ الطائرةُ حاملةً قلقَهم إِلى الفضاء البعيد، وناشِدةً سعادتَهم من وَساعة الفضاء. وحين ليلاً يُطْلقون الطائرات الورقية، يربطون بها فوانيسَ تُضيءُ عند طيرانها كنجوم قريبة. وفي الشعر الصينيّ القديم قصائدُ كثيرةٌ في وصف هذا العيد السنويّ وطائراته الورقية والتعبير عن الشوق إِلى الغائبين.
من الصين إِلى لبنان: تدبيرٌ في طرابلس يعبِّرُ عن الشوق إِلى غائبٍ كبيرٍ هو السلام، تحت شعار “شْبعنا حرب وما شْبعنا حياة” أَطلقَتْه كوكبةُ صبايا وشباب طرابلسيين مُـخْلصين من القبّة وجبل محسن وباب التبّانة، قامت به جمعية “صلة وصْل” الثقافية، تعاوناً مع جمعية “لبنان المحبة” وجمعية “الروَّاد” وجمعية “يوتوﭘـيا”، وَرَعَاهُ مشروعُ دعم المجتمع المدني في لبنان.
سَـمُّوا البادرةَ “طائرة السلام الورقية”، هم الذين من ثلاثِ مناطقَ طرابلسيةٍ ساخنةٍ تتعرّضُ يومياً للأَحداث الأَمنية والنزاعات المسلحة. حمّلوا الطائراتِ رسائلَ سلامٍ ومحبّة، وأَعلنوا أَنّ هدفَ تَـحرُّكهم: تنميةُ الروح الوطنية، بَثُّ ثقافة السلام، والحوار بين المواطنين.
إنه مُـجتمعنا المدنيُّ الرائع: فيما يضُجُّ الإِعلام والناس بما ينتظر طرابلس من أَحداثٍ أَمنية، ينبري هؤلاء الشباب إِلى التبشير بالأَمن والتفاؤُل بالعيش الوطني الواحد، متجاوزين تصاريح السياسيين واجتماعاتِهم ووعودَهم وصياحاتهم المنبرية والتلـﭭـزيونية وتناقضاتهم اليومية، مثْبِتين أَن طرابلس مدينةٌ حيةٌ شابّةٌ مصيرُها في شبابٍ مخْلصين خرجوا على الانتماءات والاصطفافات ورفضوا أَن يكونوا حبوبَ مسبحةٍ بين أَيدي السياسيين ولا حطباً في مواقد الحرب بل أَصواتاً جديدةً للسلام بدءاً من إِطلاق طائراتٍ ورقيةٍ حاملةٍ رسائلَ السلام.
هكذا تسقط الإِيديولوجيات من كلّ نوع أَمام إِيديولوجيا الوطن، وترحل إِرادة الموت حين تأْتي إِرادة الحياة.
هكذا تكون طائرةُ ورقٍ حاملةً إِلى فوقُ رسائلَ السلام، أَقوى من طائرة معدنٍ تحمل إلى تحت قذائفَ الحرب.
وبين رسائل السلام ورسائل الحِمام (الحِمام = الموت) ينْشَقُّ فجرٌ جديدٌ لوطنٍ يفتح صباحَه الجيل الجديد.
وبين طائرةٍ ورقيةٍ حاملةٍ بشرى السلام، وطائرةٍ معدنيةٍ حاملةٍ نعْي السلام، يَثْبُتُ أَنّ المجتمعَ المدنـيَّ أَطهرُ من المجتمع السياسي، وأنَّ الدمَ الجديدَ البِكْرَ في شرايين الوطن أَقوى من الدم الفاسد، وأَنَّ رسالةً على جناح طائرةٍ ورقيةٍ أَبقى من قذيفةٍ في صاروخ طائرةٍ معدنية، وأَنَّ مستقبلَ الشعوب تبشّر به طائرةٌ ورقيةٌ تنطلقُ عاليةً بالأَمل والرجاء في مفاصل المدُن، لا طائرةٌ معدنيةٌ تُسْقِطُ رسائلَ الموت إِلى الشعوب والدمارَ إِلى المدُن.
من زمان كانت الرسائل تطير في قوائم الحَمام، ثم أَخذَت تطير على أَجنحة طائرة الورق.
وبين الرسائل على أَجنحة الـحَمام، والـحِمام على أَجنحة المعدن، والسَّلام على أَجنحة طائرة الورق، تَمضي الأَيامُ في مفكِّرة الزمن، فلا يبقى سوى الرجاءِ بالسعادة، والأَملِ بسلامٍ يأْتي من خيطٍ في يَدِ صبيةٍ أَو شابٍّ يُفلتُ به طائرةً ورقيةً تَطيرُ عاليةً عاليةً صَوب الفضاءِ الوسيع، فضاءِ الوطن الذي تُسَمِّمُ فضاءَهُ طائرةُ المعدن وتزغردُ في فضائه لَـحلَحاتُ الورق.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*