حرف من كتاب- الحلقة 106
“فيليب سالم الثائر والعالـِـم والإنساني”- مهى سمارة
الأَحـد 3 آذار 2013

صدرَ قبل أُسبوعين كتابُ الصحافية مهى سمارة “فيليپ سالـم الثائِر والعالِـم والإنساني” عن “دار النهار” و”دار الساقي”، وصدرَت عنه مقالاتٌ عدَّةٌ واحتفَت به الداران في ندوة مساء الثلاثاء الماضي، وهو من 300 صفحة قطعاً كبيراً، ومقدمةٍ للشقيق الدكتور إيلي سالم، وتمهيدٍ من المؤلِّفة، فخمسةِ فصولٍ بيوغرافيةٍ أَوّلُها بْطُرَّاميّ عن طفولة فيليپ سالم في ضيعته، يليه فصلُ دراسته الثانوية فالجامعية، فثالثٌ عن مزاولته الطبّ في لبنان خلال سنوات الحرب، فرابعٌ عن رجوعه إلى هيوستن حيث لا يزال يدير مركزاً باسمه للأبحاث السرطانية في مستشفى سانت لوك، فخامسٌ أَخير عن فيليپ سالم الإِنسان واللبنانيّ العالميّ.
إلى أَهَـمية هذا الكتاب البيوغرافي عن لبنانيّ هو التالي طبّيّاً عالَميّاً بعد صديقه المرجعيوني مايكل دبغي، ثمة حادثةٌ إِنسانية لا يـحتويها الكتاب وتحتويها ذاكرتي عن قصة رواها لي الدكتور فيليپ سالم، أُشرككم معي بها للدلالة على إِنسانية الرجل.
كان الپروفسور فيليپ سالم يَهُمُّ بـِمُغادرة عيادته في مستشفى “سانت لوك” (هيوستن) حين دخلَت مساعِدتُه تُعْلِمه عن مريضٍ يُلِحُّ بِمقابلته ويبدو عليه الإِرهاق الشديد. سأَلها أَن يدخل. فإذا هو شاب يحمل توصيةً من جمعية خيرية تسأَل الطبيبَ أَن يعالجه على نفقتِها من سرطانٍ ينخر جسمه في تَوَثُّب سريع. عالجه الپروفسور سالم أَشهُراً كان الشاب خلالها يتغيّب عن عمله. وبعد يأْسٍ كان ينخره في البداية أَكثرَ من مرضه القاتل راح يشفى من أَوجاعه تدريجاً حتى شُفِيَ تماماً من السرطان.
مع نهاية العلاج بادرَ الشابُّ طبيبَه: “َأَنا بائع ليموناضة فقير. فكيف أُبادلُك؟”. ابتسم الطبيبُ الإِنساني وشرح له أَنه تقاضى أَتعابه من الجمعية الخيرية ويتمنى له حياةً سعيدةً بعدما شفي من السرطان. لم يكن المهم لدى الپروفسور سالم تَقاضي بدَل أتعابه بل دعمَ مركز الأَبحاث السرطانية الذي يُشرف عليه ويحتاج فيه ملايين الدولارات لمواصلة أَبحاثه.
عاد الشاب يبيع الليموناضة عند ناصية شارعٍ رئيسيّ في هيوستن. وذات صباحٍ توقّفَت أَمامه سيارةٌ سوداء فخمة ترجّل منها مليونير كان اعتاد أَن يتوقّف عند الشاب يشرب من ليموناضته اللذيذة. سأله الرجل عن سبب غيابه فروى له الشاب كيف شُفي من السرطان بفضل الپروفسور فيليپ سالم. ومن فرح المليونير لشفاء البائع الطيّب وعدَه بهديةٍ تُفرحُه فسارع الشاب الى الجواب: “شكراً. لا أَطلب شيئاً لي. إِذا أَردتَ أَن تُفرحني فساعِدْ مركز الأَبحاث السرطانية الذي يُشرف عليه الپروفسور سالم في مستشفى سانت لوك لأَنه يحتاج الملايين لـمُواصلة معجزاته الشفائية”. أَخذ المليونير من بائع الليموناضة رقم هاتف الپروفسور سالم واتصل به طالباً مقابلته. بعد يومين كان المليونير في عيادة فيليپ سالم يروي له كيف رفض الشابُّ الطيّب قبول مساعدةٍ له وطلب تحويلها الى مركز الأبحاث. وبعدما شرح الپروفسور سالم إنجازات المركز وحاجتَه الى التمويل لمواصلة دراساته، انتهى الاجتماع باتفاقٍ على موعدٍ لاحق. بعد أُسبوعٍ عاد المليونير إلى عيادة الدكتور سالم وقدَّم له شِكّاً بـِمليون ونصف مليون دولار لمركز الأبحاث.
صباحَ يوم لاحق، كان المليونير يروي القصةَ للبائع الشابّ الذي بادرَه متأثراً: “لم يعادِلْ فرحي بشفائي من السرطان إلاّ نبأُ مساعدتِك مركزَ الأَبحاث. بوركَتْ يدك السخيّة كما بوركَت يد الپروفسور سالم الأُعجوبية”.
كان ذلك قبل سنتَين. واليوم يروي الپروفسور فيليپ سالم هذه القصة ويختُمها بأَنه حين ربَّت على كتف ذاك الشاب مودّعاً لم يكن يعلم أنه سيحقِّقُ للمركز مساعدةً كبرى بواسطة مليونيرٍ يرتاد ناصية الشارع ليشتري منه كوب ليموناضة.
ويختم البروفسور سالم قصّته بأّنّ مَن يريد أَن يساعِد لا تعوزه الوسيلة، فكل إنسانٍ قادرٌ على العطاء لأَخيه الإنسان، إن لم يكن بقدرته الذاتية فبقدرةِ إنسانٍ يُقَدِّر فرحَ الشفاء لدى أَخيه… بائع الليموناضة.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*