كلُّ فاصلةٍ من حياتهما “عيد”
(أَمس الأَوّل، الخميس، كان المُسَمّى “عيد الحب”)
السبت 16 شباط 2013
-781-
غريبٌ أَن يكون للحُب “عيد” في يوم معيَّنٍ من السنة كسائر الأَعياد.
العيد أَن نتذكَّر أَحداً ما، شيئاً ما، حالةً ما، في يومٍ ما، لا قبْلَهُ نَتَذَكَّرُه ولا بعدَه.
فمَن يَجرؤُ على تحديد يومٍ واحدٍ في السنة يكون “عيد الحُب”؟
عيدٌ للحُب؟ “يومٌ واحدٌ” للتَذَكُّر؟ هل للحُب “عيدٌ” نُخصّص له يوماً واحداً بين 365؟
أَليس الحُب هو العيد الدائم حين تُنْعِمُ الحياة على اثنين بهذه السعادة الـ”فَوْبَشَريَّة”؟
فلماذا إذاً “تَــجْـرَنـةُ” الحُب وتَشيـيئُهُ بـ”عيدٍ” يكون سلعةً استهلاكية للزهور الحُمر والبالونات الحُمر والبطاقات البريدية والرسائل النصية والرسائل الإِلكترونية؟
الحُب الحقيقيّ لا “يوم عيد” له، وإلاّ كان علاقةً أَو صداقةً أَو وهمَ حُب لفظيّ كما في قصائد الغزل.
الحُب الحقيقيّ يخترق كلّ زمنٍ وكلّ حدود وكلّ “تابو” ويمر خلف غفلة الحراس.
مِثال ساطع؟ في “الزمن الممنوع” ضاق على الشاعر الياس أَبو شبكة لقاؤُه بـ”ليلى”، حبيبته التي غيَّرت حياتَه آخرَ سبع سنوات من حياته، وكثُرَت عليهما أَعيُن الرقباء فلم يبقَ لهما سوى الكنيسة. اتَّفقَت ليلى ونجلا (زوجُها حبيب عودة، صديق الياس) أَن تكون الكنيسةُ مكان اللقاء. كانت ليلى تأْتي صباحاً إِلى القدّاس وتجلس خلف نجلا التي تترك حقيبةَ يدِها مفتوحة فتمدُّ ليلى يدها إلى الحقيبة تدسّ فيها رسائلها إِلى شاعرها وتسحب من الحقيبة رسائلَه إِليها. وطالما ردّدت لي ليلى أَنّ كلّ رزمة رسائل كانت فرحةَ عيدٍ لكليهما.
هكذا العاشقان الحقيقيان حين هُما في الجَمْر الجَميل، في اللهَب العَذْب: كلُّ فاصلةٍ من حياتهما “عيد”، كلُّ حَدَثٍ فرحةٌ، كلُّ لقاءٍ سماءٌ، كلُّ كلمةٍ شمسٌ، كلُّ همسٍ غيبوبةٌ جميلةٌ خارجَ المكان والزمان، كلُّ لحظةٍ من صوتٍ نشوةٌ للروح، كلُّ أَثرٍ هديةٌ، كلُّ وعدٍ قداسةٌ، ولا حدودَ للحظاتِ هُيامٍ شديدٍ عاصفٍ بالولَهِ اللهيف، بالولَع الشفيف، بشوقٍ لا ينطفئُ بل يبدأُ قبلَ ثَـوانٍ من نهاية اللقاء خوفَ يَطولُ فجرُ اللقاء التالي.
هكذا الحُب، وهكذا عيدُه الدائم: لا كلّ يومٍ بل كلّ لحظة تجمع الحبيبين صوتاً، كلمةً، لمسةً نِعمَوية.
لحظةٌ نادرةٌ مكتنزةٌ عمراً من السعادة، لا تكون في العامِّ من الأَيام ولا للعموم من الناس.
الحُب الحقيقيّ لا يُعطى، كالمحبة، لجميع الناس.
إنه النعمةُ الكبرى التي قد يعيش الإِنسان حياتَه كلَّها ولا تَمنحُه إِياها الحياة.
النعمةُ التي لا تُعطى في العُمر، ولو في أَيلول العمر، إِلاّ مرةً إحدى.
الشاعر هنري زغيب