التحريضُ المجرِم
السبت 22 أيلول 2012
-761-
قبل أن تهدأ عاصفةُ الغضَب على فيلم “براءة المسلمين”، نشرَت مجلة “أُسبوعية تشارلي” رسوماً كاريكاتورية عن النبي محمد في تَعَمُّدٍ سافرٍ أجّج الغضب في نفوس مؤمنين رفضوا الـمسّ بحرمة دينهم ونبيّهم، واندلَع من بلدٍ إلى بلدٍ عُنفٌ سبَّب خسائر بشرية ومادية لا علاقة لضحاياها بها ولا لدولهم رسمياً.
صحيح أنّ بين ردود الفعل مواقفَ عاقلةً حكيمةً للتهدئة، كتصريح دليل أبو بكر إمام مسجد باريس: “إثارة سخيفة لا معنى لها، ولا نقْبَل ان تَـجُرَّنا كحيوانات باﭬـلوڤ إلى مواجهة النقيصة بالنقيصة” (تصريحه إلى الجريدة الإلكترونية “هافِنْغْتون ﭘـوسْت” نقلتْه عنها الـ”أسوشياتد ﭘـْــرِس”). لكنّ المؤمنين الثائرين رأوا في هذا الفعلَ الشنيع صَبَّ النار على زيت الإثارة الشعبية للتمييز العنصري والحقد الانفعالي والعنف الوطني والقدْح العرقي والذمّ الديني.
واضحٌ أنّ وراء الفيلم والكاريكاتور نوايا شريرةً تضمر إثارة ردود فعل انفعالية انتقامية تترك الخسائر والضحايا والفوضى وإقلاق الأمن في كل بلد معنيّ، ما هو في صُلب السياسة الصهيونية القائمة على التفرقة بين أهل البيت الواحد والبلد الواحد كي تَضعُف القوةُ المتماسكةُ وتَقوى شكيمة هذا العدو المتربِّص بنا.
وحده روح الشرائع يَرسم حدود الحريات بين الناس وفي المجتمعات المتوازنة، فيسود الاحترامُ المتبادَل والسماحُ الغافر وقبولُ الآخر، مثلَّثٌ لا يتلقّاه المواطنون من الخطَب الرنانة المفْرغة من المعاني بل يعيشونه حياتياً كلّ يوم.
أفلا يكفي لعيش ذلك بسلامٍ، ما لَـحَظَتْه شرعةُ حقوق الإنسان؟ هوذا “الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية” (وافقَت عليه الجمعيةُ العامة للأمم المتحدة في 16/12/1966 وبدأ تطبيقه في 23/3/1976 وفق المادة 49 من “الشرعة”) جاء في مادته الأولى: “لجميع الشعوب الحقُّ باعتناق وضعهم السياسي واختيار ما يؤمّن نُـموّهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”، وجاء في المادة 18: “لكلّ إنسانٍ حقٌّ في حرية الفكر والدين، ومزاولة شعائره فردياً أو جماعياً، علَناً وانفراداً”، وجاء في المادة 19: “مزاولة الحرية تفترض واجبات ومسؤوليات يرعاها القانون المدني باحترام حقوق الآخرين وشعورهم وشعائرهم وبما لا يمس الأمن الوطني والنظام العام والأخلاق العامة”.
هل من ضرورةٍ بعدُ للبحث في قانونٍ جديد؟
الفيلم والكاريكاتور هدفُهما تـحريضٌ مـجرمٌ نَصُدُّه في لبنان مـجتمِعين موحَّدين، واعين أنه لا يطال إخوتَنا المسلمين وحدَهم بل يطال المسيحيين كذلك، لأنّ شعائرَنا أَساسُ عائلتنا اللبنانية الواحدة التي تصلّي مُوحِّــدةً “الله أكبر” ومُسَبِّــحةً “باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين”.
وما يطال نبيّاً منا يطال أَنبياءَنا جميعاً.