بين زيارة البابا يوحنّا بولس الثاني لبنان سنة 1997، وزيارة خَلَفَه البابا بِنِدِيكْتُوس السادس عشر أَرضَنا الأسبوعَ الماضي، كان بين أَيدي الخُبراء والعارفين كتابٌ عِلميٌّ مُوثَّق عن زيارة يسوع المسيح أَرضَ لبنان في كتاب “على خُطى يَسُوع المَسيح في فينيقيا لبنان” للمؤرّخ الإيطاليّ الدكتور مارتينيانو بيلّيغرينو رونكاليا، صدر لدى “المؤسسة العربية للدراسات بين الشرق والغرب”- بيروت، في طبعتَين: الإنكليزية الأصلية (544 صفحة) وطبعته العربية المترجمة (430 صفحة)، متناولاً أيام يَسُوع المَسيح على أَرض لبنان مُبَشِّراً برسالة الإنجيل بين العامَين 28 و30 (قبل ثلاث سنواتٍ من صلبه على الجلجلة).
نُتابِع في هذا الكتاب زيارةَ المَسيحِ أَرضَنا الفينيقيةَ في قانا الجليل وفي صُوْر وفي الصَّرَفَنْد (وكان اسمُها ساريبْتا)، وفي صَيدون وفي قيصرية فيليبّس حتّى تَجَلّيه لتلاميذه على جبل حَرْمون.
سنواتٍ طويلةً مضْنيةً أَمضاها المؤلّفُ في البحث والتدقيق والتحَقُّق والاستقصاء، والتوثيق نُصوصاً أَصليةً وخرائطَ أَجنبيةً وحقائقَ تاريخيةً وفيلولوجية، حتّى خَرَج بهذا الكتاب كاشفاً تفاصيلَ دقيقةً وغنيَّةً وضعَتْ حدّاً لحُجَجٍ مدسوسةٍ ومزعومةٍ أنَّ بعضَ واحاتٍ مقدّسةٍ لَم تكُن على أرضِنا، إلى أَن جاء هذا الكتابُ يؤكِّدُ عبارةَ البابا يوحنا بولس الثاني أنّ “لبنان أرضٌ مقدّسة”.
من عناوين الكتاب الكُبرى لحضور المَسيح في جُنوبِنا، أنّه صنَع أُعجوبتَه الأُولى في قانا الجليل شماليّ شرقيّ صور في آذار سنة 28، نزولاً عند طلب والدته مريم، وأنّه كان يُغادِرُ أرضَ فلسطين سعياً إلى الراحة وابتعاداً عن خلافات جَدَليّة مع الفرّيسيين والأسّينيين والكَتَبَة وكهنة الهيكل فيأتي إلى صور وصيدون وساريبتا فيُلاقيه الفينيقيون ويتعاطفون معه.
وفي ضاحيةٍ من قيصرية فيليبّس على تُخوم أَرضِنا اعترف بطرس أَنّ يَسُوع هو المَسيح أَعلنهُ صخرةً سيَبني عليها كنيسته. وفي تلك الناحية أيضاً تنبَّأَ للمرة الأُولى بآلامه ومُحاكَمَته وموته، وعندَ تلّةٍ عاليةٍ من جبل حَرْمون تجلّى لتلاميذه بعدَ صلبه بأيّام.
كثيرةٌ ومتعددةُ النواحي فصولُ هذا الكتاب: نصوصاً مرجعيةَ الوثائق، صُوَراً أَصليةً مأخوذةً عن الأَماكن الأَصلية، وخرائطَ عِلْميةً وَضَعها خُبراء مؤرّخون مدقّقون موثِّقون، تُثبتُ جميعاً ما أَثبتَ المؤلّف في كتابه من حقائقَ عن المَسيح على أرض لبنان.
انطلاقاً من فصلٍ أولَ عن “إرْث لبنان” منذُ عراقةِ فينيقيا حتّى زمن المَسيح، ينطلق المؤلّف إلى فصولٍ تاليةٍ عن “كنعان وفينيقيا” بِخَلفيةِ الدين والثقافة، عن “الجليل وفينيقيا” خلال الاحتلال الرومانيّ حين زارَ يسوع قانا الجليل مرّتَيْن ذاهباً بعدَ صورَ وصيدون إلى حدود قيصرية فيليﭙّس ومنها انتقل إلى الجولان (غولانيتِس) ثمّ إلى المُدن العشر (ديكاﭘوليس) قبل أَن يتسلَّقَ قمّة الجبل المقدّس في جبل الشيخ.
وبعد فصلٍ خاص عن “عَلاقة يوسف ومريم والطفل يَسُوع مع صور في فينيقيا” يتوسّع بِمعلوماتٍ تاريخية في “فصل فينيقيا لبنان أرضاً مقدّسة” ويستطرد إلى تفاصيل “حضور يسوع في واحاتٍ فينيقية” فإلى “العرس في قانا الجليل”، وفصولٍ كثيرةٍ تاليةٍ يضيق الوقت الآن لتعدادِها لكنَّ الوقت يَلَذُّ كثيراً في مطالعةِ هذا السِّفْر العِلْميّ الذي يُثبِتُ بالوقائع زيارةَ يَسُوع أَرضَ لبنان قبل عشرين قرناً من زيارة خَليفَتَي بطرس: يوحنا بولس الثاني و بِنِدِيكْتُوس السادس عشر اللذين جاءَا يُرَكِّزان عشرين قرناً من قَداسةِ أرضِ لبنان: أرضَ رسالةٍ وسلامٍ وحوارٍ فصَّلَها جميعَها هذا الكتابُ الضخم من المُستشرق الإيطالي رونكاليا ليَكونَ كتابُهُ حِرْزاً نفيساً في مكتبنا اللبنانية عن رسالتنا الحضارية إلى العالم.