1065: حريّة العبادة وحرية الوعي الديني

الحلقة 1065: حُرّية العبادة وحرّية الوعي الديني
الأربعاء 19 أيلول 2012

الشُّكر والتهنئة للدولة اللبنانية التي هيَّأَت ونفَذَت ﭘـروتوكولياً وسياسياً ورسمياً رحلة الحبر الأعظم بتينك الدقة والنظامية.
والشّكر والتحيَّة للّجنة الكنسية المولجة تحضيرَ الزيارة وتنفيذَها، على تنظيمٍ رائع جعَلَ رحلة البابا إلى لبنان ضوءاً بهياً في ذاكرة رحلاته خارج الكرسي الرسولي.
والشُّكر والتحيَّة للشعب اللبناني الرائع الذي احتضَن الزيارةَ وجعَلَها تامّةً كاملةً شعبيةً تركَتْ في قلبه ذكرىً نابضةً من بلاد الأرز تجعل أرزَ “الكتاب” بُعداً آخر كلما مرّ قداسته في “الكتاب” على ذكْر أرز لبنان الوارد ذكْرُهُ 75 مرة في الكتاب المقدس.
كانت مسؤوليةً كبرى أن يحتشد اللبنانيون أُلُوفَ أُلُوفٍ في مراحل ثلاثة أَيام الزيارة: من المطار استقبالاً ووداعاً، إلى القصر الجمهوري، إلى بازيليك مار بولس حريصا، إلى دير بزمار، إلى دير الشرفة درعون، إلى قدّاس واجهة بيروت البحرية، إلى لقاء بكركي مع شبيبة لبنان الغالية، وكان حضارياً أن يكون التنظيم في جميعها تاماً بلا أيّ هفوةٍ أو شائبة.
هدفُ الرحلة البابوية التاريخية: تسليمُ الإرشاد الرسولي لكلّ الشرق على أرض لبنان. لكنّ لبنان تَرجَمَ الإرشاد مسكوباً في اللبنانيين عمَلياً قبل تَلَقّيه مكتوباً إلى أهل الشرق. ففيما جاء الإرشاد الرسولي يقول لأهل لبنان والشرق أن يكونوا موحّدين، جاء التلاقي اللبنانيّ الرائعُ رسمياً وشعبياً، سياسياً ووطنياً، يُثْبِتُ أنَّ لبنان بيتٌ مدنيٌّ واحدٌ في عائلاتٍ روحيةٍ متعدِّدة. وهذه علامة لبنان في الشرق وفي العالم، لبنان “الرسالة” التي عناها السلف الطوباوي يوحنا بولس الثاني، ولبنان التلاقي الذي عناه الخلف الصالح بنديكتوس السادس عشر.
فانطلاقاً مما أورده سينودس الشرق الأوسط (وهو المادة الأُولى للإرشاد الرسولي) تحديداً في الفقرة الأُولى “الإسلام”: “المسيحيون يتَشاركون مع المسلمين: حياةً واحدة، وقدَراً واحداً، وبناءً للمجتمع واحداً، وسهَراً على اعتناق نِظْرةٍ واحدة للحُبّ والاحترام المتبادَلين”، وما جاء في الفقرة الثانية “النضال ضد الأُصولية”: “على العلاقات بين المسيحيين والمسلمين أن تمتدَّ إلى القطاعَين الاجتماعي والسياسي، وأن تُوَطّد عملياً مفهومَ المُوَاطَنَة والمساواة في الحقوق والواجبات وحرية المزاولة الدينية عبر حُرّية العبادة وحرية الوعي الديني”، نجدُ أن لبنان منارةٌ ساطعة في هذا الشرق بكَونه تاريخياً أرضَ التلاقي الديني والعيش المذهبي والتفاهم الطائفي، مفهوماً عميقاً ولو شابَتْهُ أحياناً فطْريّاتُ أحداثٍ ليست من جوهر لبنان.
هنا أهمية أن يكون لبنان لا “بلد التعايش” ولا بلد “العيش المشترك”. هاتان صفتان لا تشبهان لبنان، فليس فيه شعوب كي “تتعايش” ولا قبائل كي يكون لها “عيش مشترك”، بل دورُه – كما ورد في إحدى خُطَب رئيس لبنان – أن يكون “مقراً دولياً معتَرَفاً به عالـمياً لـحوار الأديان والحضارات”، وهذه هي الصيغة التي يَتَعَنْوَنُ بها لبنان ليكون كما قال الحبر الأعظم “مثالاً لكل الشرق”.
بعد الخطاب البابوي الأخير على أرض المطار بإنه يغادر لبنان “مشدودَ القلب”، وفيما طائرة “الميدل إيست” تتحرّك مُقْلعةً عن أرض لبنان حاملةً على جبينها علَمَ لبنان وعلى جَناحِها أرزةَ لبنان، أَظنُّ قداسة الحبر الأعظم حَمَلَ معه معنى آخر ذا ثلاثة أَقانيم:
ما جاء في “الكتاب”: “أرزةٌ في لبنان شامخةُ القَوام، لا يماثلها في بهجته كلُّ شجر في جنّة الله”.
وما جاء فيه أيضاً: “شَـمَخَت كالسَّروِ في حرمون، كالنخلِ في السواحِل، وارتفعَت كالأرزِ في لبنان”.
وما جاء في “نشيد الأناشيد” أَقدَمِ كتابٍ للحُب:”هَلُمّي معي من لبنان، يا عروسُ معي من لبنان، من رأْس حرمون، من جبال النمور… شفَتاكِ تقْطُران شَهداً، تحت لسانكِ عَسَلٌ، ورائحةُ ثيابكِ زكيةٌ كرائحة الأَرز في لبنان”.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*