حرف من كتاب- الحلقة 59
“في قلب غاباتنا”- ملكان باسيل
الأحـد 25 آذار 2012

عن الكتُب السحيقة أنّ لبنان كان، أَوّلَ ما كان، غاباتٍ غضّةً تنبسط على تلالنا والجبال.
وعن الكتُب اليوم أنّ لبنان خسِرَ من أخضره غاباتٍ وتلالاً وكثير جبال، منذ اجتاحتْهُ حضارةُ الباطون ووقاحةُ الكسَّارات.
ملكان باسيل، بكتابه “في قلب غاباتنا”، حَفَرَ في البال بهاءها الرائع، وأرَّخ بقلمِهِ وكاميراهُ جمالاً في غاباتِنا ناطقاً بإرثٍ طبيعيٍّ زاد من جماله قرص مدمَجٌ (DVD) مع الكتاب يَعرض الصُّوَر مُتحرِّكةً مُشرقةً مطرَّزةً بموسيقى شاعرية جميلة.
140 صفحةً هذا الكتاب، مربَّعُ الشكل جديدُه، تأْرَجُ منه الصورُ ملوَّنةً بهية، مأخوذةً من زوايا ذكية، وفي تعابير يتوهّج منها غنى طبيعتنا اللبنانية، بأخضرِها شجراً وحقولاً وبساتين، بأزرقها بحراً هادئاً وفضاءً وسْع رحابة لبنان، وبألوانها نبتاتٍ وفواكه وخُضَراً شهيةَ المذاق ولو طالعةً من إطار صورة.
انطلاقاً من مقولة إن “السماء مستديرةٌ والأرض مربّعة”، أعلن المؤلف في مقدمة الكتاب أنّه اتّبع في كتابه “وسائطَ متعدِّدة، منذ كمال الدائرة التي ترمز إلى الزمن والسماء، وفق استخدام البابليين الدائرةَ لقياس الوقت في 360 درجة، إلى المربّع الذي يرمز إلى الإنسان والأرض”. هكذا زاوج المؤلف في كتابه “بين الدائرة والمربّع، شعارَ انسجامٍ بين ضدَّين”، فظهرَت في الكتاب صوَرٌ دائريةٌ وأُخرى مربعة، وَثَّقَ بها الغاباتِ إرثاً طبيعياً لو استفدْنا منه يشكّل صناعة للمستقبل في ديناميةٍ بنّاءة بالمشاركة مع الطبيعة. سوى أن ذلك، في رأْيه، يتطلّب “مبادراتٍ خاصةً تضاف إلى وعي سياسي واقتصادي واجتماعي لدى المسؤولين والمواطنين معاً”.
في تقديمه غابات لبنان، دقَّ المؤلف بوق الخطر: “في أقل من 50 سنة، شهد لبنانُ خسارةً مرعبة في أشجاره. سنة 1965 كانت الغابات تكسو 35% من مساحة لبنان. اليوم لم تعد تكسو إلا 7% ، على 80 ألف هكتار فقط من أرض لبنان”.
ويعدّد المؤلف من ثروتنا الحرجية 55% أشجار سنديان، 12% أَشجار صنوبر، 9% أشجار عرعار، 1% أشجار أرز، ويفيدنا أن “الغابة لا تقتصر على أشجارٍ متراصَّةٍ بل هي مجتمعٌ آهلٌ بكائناتٍ حيةٍ صُغراها مِـجهريّة صغيرةٌ وكُبراها الأرزة الدهرية.
هذه الكائنات الحية هي التي تؤمّن دورة الحياة النباتية وموتها وتجدُّدها. أحصى منها المؤلف تسعة آلاف، بينها 4633 نبتة وشجرة.
بهذا المفهوم جال ملكان باسيل على أرز بشري وأرز الشوف ومحمية تنورين وجزين وبعبدا وبنتاعل ووادي قاديشا وجبل القموعة وحرج إهدن وسواها، وعلى غابات سنديان وصنوبر موزَّعةٍ على أحراج لبنان، وعلى الثروة المائية ينابيعَ وأنهاراً تجعل لبنان بعد تركيا ثاني أغنى بلد بالمياه في الشرق الأوسط، إذ تكتنز أرضه نحو 2000 ينبوع و40 نهراً يجري 17 منها طوال أشهر السنة.
صُوَرٌ تتتالى لبهجة العين، ونصوصٌ تتتالى لبهجة الذاكرة، وكتابٌ قراءتُهُ لفتةُ تنبيهٍ إلى ما كانَهُ لبنان وما يكاد يخسره من ثروةٍ في طبيعته تتعرَّض للزوال.
ملكان باسيل، في عمله هذا، صفحاتِ صورٍ ونصوصٍ وقرصاً مدمجاً مرافقاً، يؤرِّخ لغنى ما بقي في الحاضر كي نتذكَّر ما علينا حفظُه من الأمس والحفاظ عليه للمستقبل.
“في قلب غاباتنا” كتابٌ في قلْب الجمال من لبنان الجمال.
ولبنان، في جوهره، واحةُ حبٍّ وسلامٍ وجمال.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*