الحلقة 1046: هنيئاً للفراشات والعصافير
الأربعاء 2 أيار 2012
خلال القمَّتَين العالَـميَّتين الأخيرتين حول المناخ: في كوﭘـنهاغن- الدانمارك (193 دولة سنة 2009) وفي دوربان – جنوب أفريقيا (190 دولة سنة 2011) كان الهاجسَ الأكبرَ لدى الدُّولِ المشارِكة: البحثُ في تخفيف انبعاث الغازات السامة، مكافحةُ الاحتباس الحراري، والحدُّ من ارتفاع حرارة الأرض درجتَين مئويَّتَين قياساً إلى مستوياتها قبل الثورة الصناعية. وهذه القمّم كلَّ سنتين (انطلاقاً من الأولى في ريو دي جانيرو – البرازيل سنة 1992) تهدُف إلى معالجة المشاكل المناخية الداهمة على كوكبنا الأرضي.
أحدثُ ما ظهر في هذا السِّياق: دراسةٌ في مجلة “نِيُوﭘـلانيتّ” الفرنسية وضَعها خبراءُ في “المركز الوطنيّ الفرنسيّ للبُحوث العلمية” و”المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي” تُظْهِرُ تَأَثُّرَ العصافير والفراشات بتغيُّراتٍ مناخيةٍ تُسَبِّب هِجرتها صوب الشمال، خُصوصاً بعد ارتفاع حرارة الأرض درجةً مئويةً واحدةً خلال السنوات العشرين الأخيرة.
الدراسة حصيلةُ أبحاثٍ ميدانية على 9490 جماعة عصافير و2130 جماعة فراشات، أجراها 19 اختصاصياً أوروﭘـياً ومئاتُ خبراء في الطبيعة أَمضَوا نحو مليون ونصف مليون ساعةِ عملٍ وبحثٍ واستقصاءٍ طوال عشرين سنة. ويواصل هؤلاء – وسيأْتي بعدَهم من يواصل – هذه الأبحاثَ المركَّزةَ أَرضاً وجَوّاً وحتى بحراً كي يتداركوا هِجرةَ العصافير والفراشات مع تَغَيُّراتٍ مناخيّةٍ متوقَّعٌ حصولُها في السنوات المقبلة. وهذا مؤشِّرٌ استباقيٌّ على ما ينتظر البشرَ حين يبدأُ الاحتباسُ الحراري يُسبِّب هُجُراتٍ بَشَريةً من بقعةٍ على هذا الكوكب إلى بقعةٍ أخرى أكثرَ تلاؤُماً ظروفَ الحياة.
هذه المعلوماتُ كلُّها قد لا تكونُ تَـهُمُّ عدداً كبيراً منكم. الهدفُ منها ليس حِفْظَ أَرقامِها وتفاصيلها بِقَدْرِما هو الحَثُّ على المقارنة. فالرقمُ لا قيمةَ له في ذاته إن لم نُـخْضِعْهُ لمقارنةٍ برقمٍ آخَرَ رديفٍ أو مقابلٍ أو شبيهٍ أو نقيض.
المقارنة هنا بين ما يجري في العالم، وما يجري عندنا وما لا يجري.
في العالم: رؤساءُ دولٍ وحكوماتٍ يَـجتمعون كُلَّ سنتَين في قمَّة المناخ (أو قمَّة الأرض) يتدارسون، يتداولون، يتناقشون في السُّبُل الفضلى لتَدَارُكِ الأخطار، وخبراءُ عالَـميُّون يُـجْرُون دراساتٍ وأبْحاثاً على العصافير والفراشات.
ونحن؟ ماذا عندنا نحن؟
قَنِعْنا أَلاَّ يلتفتَ المسؤولون عندنا إلى العصافير والفراشات، وإلى التغيُّرات المناخية في العالم.
وقَنِعْنا أَلاَّ يهتمُّوا لعصافير المواسم وفراشات الربيع، فهذا كثيرٌ عليهم وهامشيٌّ أمام انشغالاتهم العبقرية في إنقاذ الوطن.
ولكنْ…
كيف نَقْنَعُ بإهمالهم ما هو أَشدُّ هَولاً وأَكبرُ خطراً وأَفتكُ موتاً: كهذه الغيوم السَّرَطانية المنبعثة من دواخين معمل الزوق الحراري، أو معامل شكّا، أَو هذا الغيمِ الأَسْوَدِ المسمومِ يعبر صباحاً فوق بيروت والساحل لكثرة التلوُّث في العاصمة والساحل؟
العصافيرُ والفراشاتُ تُـهاجر عند شعورِها بالتلوُّث أو بتَغَيُّر المناخ.
ولكن… إلى أين يُهاجر السكَّان حين مدينتُهم فضاؤُها سُموم، وأَرضُها نفايات، ومياهُها مازوت، ومستقبلُها منكوبٌ بإهمال المسؤولين؟
أَشنعُ ما في هذه المقارنة: أَلاّ تكونَ للمواطن قُدرةُ الهِجرة إلى أَيِّ شمال، بينما تقْدِرُ على ذلك رفوفُ الفراشات والعصافير.