الحلقة 1044: … ومنبِّهاً جاء صوتُه
الأربعاء 18 نيسان 2012
كان يُـمكن أن تكون عظتُه يومَ القيامة في معنى القيامة والتجسُّد والفرح، على صورة الذي “قام من بين الأموات ووَطِئَ الموت بالموت”.
سوى أنه اختار أن يعظَ انطلاقاً من قلق الناس، من وجع الناس، من هموم الناس، مما يجول بين هواجس الناس في هذه الأيام التي انقلب فيها صباحُ الناس رمادياً، ومساؤُهم سوداوياً، وفجرُهم الآتي معلَّقاً على جنون الريح.
بلى: المتروﭘـوليت الياس عوده، بما نعرف عنه من جرأةِ قولٍ وهَدْرةِ رأْيٍ وشجاعةِ إِدلاء، كان يمكن أن تكون عظتُه من الرعية صوب المسيح، فشاءها من المسيح صوب الرعية، وأَطلق صوته عالياً في ضمير ساسةٍ يُفتَرَضُ فيهم أنهم الإخلاص والمناص والخلاص فإذا بهم التقصير عن كل مبادرة.
هادراً جاء صوتُه: “أبنية تنهار على رؤوس ساكنيها، أطعمة فاسدة تودي بحياة البشر، حليب فاسد وأدوية فاسدة ولا رقيب أو حسيب، مياه ملوثة يتاجر بها البعض على حساب البعض الآخر، تقنين في الكهرباء ويبشِّروننا بالمزيد وأصحاب المولّدات لا يشبعون، أسعار المحروقات تتضاعف، خطوط التوتر العالي سيف مُصْلَتٌ على رؤوس المواطنين، وصفقات وعمولات وهدر مال عام وسوء إدارة الثروات الطبيعية وفساد ينخر ما تبقَّى من إدارات الدولة”.
ومنبِّهاً جاء صوته: “متى يصبح طموحُنا أبعد من الأمن والرغيف وحرية الفكر وحرية التعبير وحرية العيش بكرامة؟ بعض الدول التي كنا بكبريائنا ونرجسيّتنا نعتبرها متأخرةً سبقَتْنا أشواطاً في مجالات العلم والإبداع والحضارة ونحن ما زلنا نلهث وراء الخبز والمازوت والكهرباء والماء ونحلم بطرقات مضاءةٍ آمنةٍ خاليةٍ من الحُفَر، وبأبنية سليمة وبقانون سير صارم أو قانون إيجارات عادل”.
وعلى صورة معلمه الذي حمل السوط ودخل الهيكل جالداً تجار السوء، انهال على يوضاسيي السياسة في فورة غضب: “إلى هذا الدِّرْك وصلنا لأننا على مر السنوات لم نعمل على بناء دولة ولم نراقب ولم نحاسب ولم نعاقب ولم نعدل بل تقاسمنا المغانم على حساب الشعب المقهور. فلنعمل، مسؤولين ومواطنين، على أن نُعيد لبنان وطناً لأبنائه، ودولةً متطورةً تحكم بالعدل والمساواة وقانون يسري على الجميع فلا أحد فوق القانون ولا أحد أكبر من الدولة. ولننتَهِ من المزايدات الكلامية والإتهامات المتبادلة فيما الحقيقة ضائعة ولا أحد يهتم بها، ولنتجاوز المصالح الخاصة والسياسات الضيقة ونجعل مصلحة المواطن وحياته الكريمة في رأس اهتماماتنا”.
صبيحةَ العيد، فكَّر المتروﭘـوليت عودة في عذابات الناس، في الطرقات المسدودة أمام غَدِهم، في المشاكل التي تجعل جَـمراً حارقاً حياتَـهم اليومية ولا سميع ولا مُـجيب. فكَّرَ بكل هذا، ودعا إلى استنباط حلولٍ لتلك المشاكل، وطرائقَ ناجعةٍ لِفَتْحِ تلك الطرقات، وعلاجات ملحَّة لتلك العذابات.
في صبيحة العيد، فكَّر المتروﭘـوليت عودة بالناس، بالرعية، بالخراف الضالة في بَرِّيَّة الوطن، ويعرف أن صوته مسموعٌ لأنه صوتُ الضمير الذي لا ينحاز إلاَّ للحقيقة أياً تكن منابعُها وأنى كان مَصَبُّها.
في صبيحة العيد، جاءنا رجل صلاة يحكي بلغة الذين جاؤوا إلى الله يرجون النجاة. صوت من عند الله حلّ فيه فخاطب الناس به.
ولا صوت يعلو على صوت الله إذ ينزل على رجل صلاةٍ يحوّل الابتهال إلى اشتعال، فيحمل سوط سيِّده ويدخل على هيكل الوطن صارخاً غاضباً منهالاً على تجار الوطن وفرِّيسيِّيه وهو يُرعد: “بيتي بيتٌ للصلاة وأنتم جعلتموه مغارة للّصوص”.