1042: قَصران بين عتمةٍ ونور

الحلقة 1042: قَصْرانِ بين عتمةٍ و نُـــور
الأربعاء 4 نيسان 2012

قَصْرانِ بين عَتمةٍ و نُـــور: قصرٌ يلتَفُّ ساعةً بالظلام الأبلق، وقصرٌ يلتَفُّ ليلةً بالنور الأزرق.
القصر الجمهوري في بعبدا أَطفأَ أنوارَه ساعةً كاملةً مساء السبت الماضي، تضامُناً مع “ساعة الأرض” العالـمية التي انطفأَتْ لها الأنوارُ تلك الساعةَ نفسَها في “إمـﭙـاير ستايت بِلْدِنْغْ” نيويورك، وساحة تـحرير القاهرة، ودار أُوﭘـرا سيدني، وشاهقات هونغ كونغ وﭘـكين، و”برج إيفِل” ﭘـاريس، والقصر الجمهوري في التشيلي، وبازيليك مار بطرس الـﭭـاتيكان، وسكالا دو ميلانو، وآلاف المدن في نحو 150 بلداً من الكرة الأرضية، تضامُناً مع “ساعة الأرض” لـحماية الكوكب من تصاعُد الحرارة وخطره المناخي.
والقصر الحكومي في سراي بيروت مساء الاثنين أول من أمس أَضاءَ أنوارَه بالأزرق (الشعار العالـميّ للتوحُّد) تضامُناً مع اليوم العالـمي للتوحُّد وَفْقَمَا أقرَّته الأمم المتحدة سنة 2007، وأضيئَت ليلتَها كذلك بالأزرق “إمـﭙـاير ستايت بِلْدِنْغْ” نيويورك وبرج وِيلِّيس شيكاغو وبرج تورُنتو كندا وشلاَّلات نياغارا وتمثال بوذا في الصين، وبرج المملكة في الرياض، وأبنيةٌ ومؤسساتٌ وشواهقُ في العالـم مَطاراتٍ وجسوراً ومتاحفَ ودور أوﭘـرا وكونشرتواتٍ ومطاعمَ ومستشفيات… تنبيهاً العالـمَ على التوحُّد، وتضامُناً أَخوياً مع المتوحِّدين أولاداً وبالغين.
مُهِمّاً كان اهتمامُ لبنان الرسمي بـهذين الحدَثَين العالـَمِيَّين، قضيتَين رئيسَتَين تـخُصّان الأرض والإنسان.
ومُهِمَّةً كانت مُشاركةُ لبنانَ الرسمي مع العالـم الخارجي ولكن… هل مُهِمّةٌ بالقدْر نفسه مشاركتُه مع عالم لبنان الداخلي؟
انطفاءُ قصر بعبدا لساعةٍ واحدةٍ تضامُناً مع العالـم لإطفاء حرارة الأرض المتزايدة، ألا يكون أيضاً رمزاً افتراضياً متزايداً لانطفاء حرارة النور ساعاتٍ طويلةً مطَّاطةً في لبنانَ كلِّه ضائعاً كهربائياً بين معامل وعمولات، بين بواخر وتـبَخُّرات؟
إِضاءة القصر الحكومي مساءً تضامناً مع العالـم الـمتوحِّد، ألا يكون أيضاً رمزاً افتراضياً لِـجُنوح لبنان سياسياً نـحو التوحُّد في مـحيطه إنْ لم ينهض إلى وعْي مـحيطه؟
وإذا الـمتوحِّدُ مَن يغوصُ في ذاته الـجَوّانية مبتعداً عن التعايش مع عالـمه البرّاني، أفليس الشعبُ اللبناني أيضاً مُهدَّداً بالتوحُّد الجـوّانيّ إن لم يتفاعل مع مُـحيطه البرّاني؟
انطفأ قصرُ بعبدا وأَضاء القصرُ الحكومي، رمزياً كي نُري العالم اهتمامَ لبنان الرسمي. وهذا أمر ضروري.
إنما الضروريُّ كذلك أن نُري شعبَنا أنه لن يعاني من عوارض التوحُّد الوطني، ولا من عواقب التصحُّر الإقليمي، كي يظلَّ لبنانُ مُضاءً لا بأزرق الأنوار توحُّدياً بل بأَشرَق الأنوار شَعّاً على مُـحيطه بفرادته ومزاياه وتَـمايُـزه، وكي يظلَّ مُطْفَأً فيه كلُّ ذئبٍ يُـجَرِّعُهُ الخارجُ قبَساً من سُمومٍ، فيستديرُ ينفُثُها في شعب لبنانَ تفرقةً وتـجزئةً واصطفافاتٍ سياسيةً وعقائديةً وانتمائيةً تُشَلِّع شعبَنا مِزَقاً وغيتواتٍ طائفيةً ومذهبيةً وحزبيةً تفسِّخ الموزاييك اللبناني: من تَـماسُكٍ متنوّعٍ غنيٍّ إلى نُتَفٍ فقيرةٍ هزيلةٍ تُطيحُها أولُ هَبَّةِ ريح.
بين قصر بعبدا مُطْفَأً لِـساعةٍ واحدة، وقصرِ السراي مضاءً لِـلَيلةٍ واحدة، فليكُن لبنانُ طالعاً من ظلامٍ عائم إلى نورٍ دائم، لأنّ شعب لبنان الذي يُشارك في قضايا العالـم، يَستحقُّ أن يلتفِتَ إلى قضاياه قصرُه وسراياهُ كما يلتفتَان إلى السوى.
فماذا ينفع شعبَ لبنان إذا ربح قضايا العالم كلَّها، وخسِرَ قضيَّته اللبنانية ؟؟؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*